الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن سرق من السفينة أو من المسافرين

                                                                                                                                                                                        وإذا سرق من في السفينة بعضهم من بعض، لم يقطع ، وهم كأهل الصنيع، ولأنهم يتخالطون في الأماكن وفيما يكون لهم إلا أن يسرق من المواضع التي تغلق وتحاز كالسرير والحبير الخز وما أشبه ذلك فيقطع إذا أبرزه من حرزه، وإن لم يخرجه من السفينة، ومن سرق منها من غيرهم قطع إذا أبرزه عن السفينة.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا سرق من أحد المواضع التي تغلق، فعلى قول محمد يقطع إذا أبرزه من حرزه، وإن لم يخرجه من السفينة، وعلى قول سحنون لا يقطع حتى يخرجه عنها.

                                                                                                                                                                                        وإن سرق السفينة نفسها وكانت مرساة في المرسى وحيث السفن قطع وإن انقلبت من المرسى أو كانت مخلاة، لم يقطع . [ ص: 6092 ]

                                                                                                                                                                                        قال محمد: فإن كانت مرساة في غير المرسى إلا أنها قريبة حيث يصلح أن ترسى فيه، قطع .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أرسيت في غير قرية، فقال ابن القاسم: إذا نزلوا منزلا فربطوها فيه وذهبوا لحاجتهم ولم يبق منهم أحد فسرقها سارق قطع، وقال أشهب في كتاب محمد: لا قطع عليه، وهي بمنزلة الدابة .

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا ربطت في موضع لم تعرف به فإنه لا يقطع ولو كان معها من يحرسها في البر قطع سارقها، وإن كانت في غير مرسى معروف وإن كان صاحبها أو الناس فيها فأزالها في ليل قطع إذا كان مرسى معروفا، ولا يقطع إذا لم يكن مرسى; لأن حرزها حينئذ الناس الذين فيها ولم تزل أيديهم عنها فأشبه من سرق دابة وعليها صاحبها وقد نعس عليها فردها عن الطريق فإنه لا يقطع; لأن صاحبها حرزها ولم تزل يده عنها فإذا استيقظ عند إنزاله عنها ثم أخذها بعد ذلك كان الحكم في صفة أخذها حينئذ، هل أخذها غصبا أو على وجه الحرابة؟ وكذلك السفينة ينظر إلى الحال التي أخذها وقت علموا به، فإن أخذها غصبا، عوقب ولم يقطع، وإن أخذها بحرابة، كان الأمر فيه إلى الإمام يقطعه أو يقتله.

                                                                                                                                                                                        وإذا نزل المسافرون منزلا فسرق بعضهم من بعض مع حضور المسروق [ ص: 6093 ] منه، ولم يكن غاب عن متاعه، قطع ، بخلاف السفينة; لأن كل واحد منهم حائز لماله، وإنما للآخر المجاورة من غير مخالطة، وأهل السفينة يخالط بعضهم بعضا ولو تخالط بعض المسافرين في الطعام أو في المجالسة أو في المزاورة فسرق أحدهم حينئذ، لم يقطع.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم تكن مخالطة فسرق أحدهم عندما غاب الآخر عن متاعه، أو كان السارق أجنبيا ليس من أهل الرفقة، فقال مالك في المدونة: إذا وضع المسافر متاعه في خبائه أو خارجا من خبائه وذهب لاستقاء ماء أو لحاجته وترك متاعه قطع سارقه .

                                                                                                                                                                                        قال مالك: والإبل تكون في مراعيها فلا يقطع سارقها، فإن آواها مراحها قطع سارقها . وقال سحنون: إنما الأمر في الخباء، فإن لم يكن خباء، فلا قطع.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد: إن طرح متاعه قريبا منه أو من خبائه أو من خباء أحد من أصحابه وكان سارقه من غير أهل الخباء، قطع سارقه، وإن طرحه بموضع ضيعه لم يقطع .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم: ليس في هذا كله قطع، واتفقوا على أنه إذا لم يكن منزلا نزله، لم يقطع مثل الذي ينزل لقضاء حاجته أو لأخذ ماء والمنهل [ ص: 6094 ] الذي ينزل أمامه. فراعى مالك وابن القاسم الموضع وأن يتخذه منزلا كالجرين، فإنه يقطع سارقه، وإن لم يكن عليه غلق ولا حارس فكذلك متاع المسافر يقطع سارقه، إن كان منزلا نزله، وإن لم يكن معه صاحبه ولا كان في خباء، ورأى سحنون أنه لما كان موضعا لا يستقر فيه وإنما يلبث فيه ليلة أو بعض ليلة ويرحل عنه كان كالذي يجمع من الثمار ويجعل في موضع لينقل منه إلى الجرين، فلا قطع فيه إلا أن يكون خباء، فيكون كبيت الإنسان، ورأى ابن عبد الحكم في جميع ذلك على أنه ليس بحرز لما كان لا يستقر فيه إلا أن يكون معه صاحبه، فإن الإنسان حرز لما كان معه، وإن كان في قفر ولهذا قال ابن القاسم: إنه إن لم يكن منزلا نزله، لم يقطع لأن المنهل كالمراح والجرين . [ ص: 6095 ]

                                                                                                                                                                                        ومن سرق من المحمل قطع كان فيه صاحبه أو لم يكن وهو كالخباء إلا على ما قال محمد بن عبد الحكم، فإنه لا يقطع إلا أن يكون معه صاحبه.

                                                                                                                                                                                        قال مالك: ومن سرق من إبلهم المناخة، فعليه القطع، وإن كانت غير معقلة إذا كانت بقرب صاحبها وما كان منها في الرعي، فلا قطع فيه ، وعلى قول سحنون لا يقطع وإن كانت مناخة بقرب متاع صاحبها; لأنه لم يقطع فيما كان من المتاع خارجا عن الخباء، وكذلك الإبل. ومن سرق ما على بعير وهو في القطار، قطع، وإن سرق البعير نفسه بما عليه أو كان لا شيء عليه، قطع إذا كان في قطار، فإذا حله وصار في يديه قطع، وإن أخرج ميتا من قبر قطع إذا كان ما عليه قيمته ربع دينار فصاعدا . [ ص: 6096 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية