الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن سرق من جماعة وفي يده مال]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: وإذا سرق من جماعة وفي يده مال تحاص جميعهم فيه إذا كان لم يزل في يده منذ سرق من الأول ، وإن كان يسرا محدثا تحاص في ذلك المال كل سرقة كانت في ذلك اليسر دون من كان سرق منه قبل ذلك اليسر .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: فعلى هذا لو كان في يده عشرة ثم سرق من ثلاثة رجال من كل واحد عشرة تحاصوا في العشرة التي كانت في يديه أثلاثا، وإن كان في يديه عشرة فسرق عشرة ثم أفاد عشرة، ثم سرق عشرين، كان الثاني أحق بالعشرة الثانية، وتبقى العشرة يحاص فيها الأول فيقسمان العشرة الأولى نصفين، وإن سرق عشرة ثالثة كانت العشرة المحدثة بين الأوسط والآخر نصفين ثم يرجعان جميعا على الأول فيحاصانه في العشرة، فإن ذهبت العشرة الأولى لم يدخل الأول على من بعده، وإن ذهبت العشرة الآخرة دخل الآخران على الأول كأن لم يكن عنده غير الأولى; لأن جميع ذلك مال تقدمته [ ص: 6115 ] سرقاتهم، فإذا ذهب بعضه كان حقهم في الباقي، وكل هذا على قول ابن القاسم، وخلاف ما ذهب إليه القاضي أبو محمد عبد الوهاب في قوله: إنه إنما يأخذ من المال الذي في يديه لإمكان أن يكون باع السرقة واختلطت بماله، وهذا مال تقدم وسرقات طرأت على ذلك المال، ولم يختلط بشيء منه فلا يكون لمن سرق منه أخيرا أن يدخل على الأول; لأن سرقته لم تدخل فيها يقينا ولا شكا.

                                                                                                                                                                                        وإذا سرق سلعة بين رجلين أحدهما غائب والآخر حاضر فقام الحاضر على السارق والسارق موسر بجميع قيمتها، كان على الحاكم أن يخرج من ذمته جميع القيمة فيعطي الحاضر نصيبه ويوقف نصيب الغائب; لأن الغائب لم يرض أن يكون ماله في ذمة السارق، وكذلك الغصب، ولو كانا باعا منه تلك السلعة فقام الحاضر والغريم موسر لقضي للحاضر بنصيبه خاصة; لأن الغائب رضي بمعاملته وأن يكون ماله في ذمته، فإن قضى السلطان في السرقة للحاضر خاصة وأخطأ في الحكم، ثم قدم الغائب وقد أعدم السارق، رجع على صاحبه في نصف ما أخذ، ثم اتبعا السارق متى أيسر، وعلى ظاهر قول مالك في كتاب محمد ، يمضي لهذا ما قبض ; لأن الخطأ إنما وقع في نصيب الغائب إذا أبقاه ولم يخطئ فيما قضى به للحاضر، فليس خطؤه على الغائب مما [ ص: 6116 ] يرد به ما عدل فيه للآخر ولو علم أنه قضى لهذا بحقه لتوقف نصيب الآخر،- ثم لم يفعل لم يكن على الحاضر شيء وكل هذا ما لم يكن عليه دين من غير السرقة، فإن كان عليه دين بدأ به فإن فضل عنه شيء كان لمن سرق منه، وإلى هذا ذهب محمد: أن الدين أحق ممن سرق منه . [ ص: 6117 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية