الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في ثبوت حد المرأة]

                                                                                                                                                                                        يقام الحد على المرأة بالحمل إذا لم يكن زوج ولا سيد ولا شبهة ولم تكن طارئة، فإن قالت: هو من زوج طلقني أو غاب عني، فإن كانت طارئة- صدقت، ولم تحد. وإن كانت مقيمة ولم يأت لذلك شاهد ولا شبهة، حدت ، وإن ادعت أنه من غصب وكان تقدم لها ذكر ذلك، وأتت متعلقة [ ص: 6207 ] برجل أو كان سماعا واشتكت ولم تأت متعلقة به لم تحد إذا ادعت ذلك على من يشبهه ، وإذا ادعت ذلك على من لا يشبه، على رجل صالح حدت، ولم تصدق، وهذا إذا تقدمت الدعوى أو الشكوى قبل ظهور الحمل، فإن لم تذكر ذلك إلا بعد ظهور الحمل-حدت، إلا أن تكون المرأة معروفة بالخير ولا يطعن عليها بشيء، فقالت: كنت كتمت ذلك، رجاء ألا يكون حمل، ولا أكشف نفسي، أو رجاء أن يسقط; فتعذر بذلك، ومثله لو لم تسم من استكرهها، وقالت: رجوت ستر ذلك، وهي معروفة بالخير، فلا أرى أن تحد، وهذا الذي آخذ به في ذلك، وقد روي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في امرأة ظهر بها حمل فادعت أنها استكرهت، وقالت: كنت نائمة فما أيقظني إلا الرجل، وقد ركبني، فأمر أن ترفع إليه إلى الموسم هي وناس معها من قومها، فسألهم عنها فأثنوا عليها خيرا، فلم ير عليها حدا، وكساها وأوصى بها أهلها .

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في هذا فقال ابن وهب في كتاب محمد: إن ادعت ذلك على رجل صالح معروف بالخير- حدت للقذف، كانت تدمى أو لا تدمى، ولا [ ص: 6208 ] تحد للزنى إلا أن يكون دعواها لذلك بعد أن ظهر الحمل، فلا تصدق، وتحد حد الزنى وحد القذف .

                                                                                                                                                                                        وقال ربيعة: إذا جاءت تدعي ذلك على رجل بغير شبهة من خلوة ولا استغاثة عندما غلبت، فإنها تحد للقذف، وإن استمرت حاملا حدت للزنى .

                                                                                                                                                                                        فجعل لها في القول الأول شبهة بالدعوى، وقد جاءت في هذا الأصل مسائل متقاربة المعنى، حمل في بعضها على الوطء ، وفي بعضها على عدمه، فقالوا: إذا شهد أربعة على رجل أنهم رأوه على امرأة بين فخذيها، أنه لا يحمل على الوطء ولو وجد الماء لإمكان أن يكون أصابها بين فخذيها. وإن ظهر بها حمل، حمل على أنه الوطء في الفرج، ويقام عليها الحد مع إمكان أن يكون ذلك خارج الفرج ثم وصل الماء، إلا أن يقال: إنما حدت لأنها سلمت أنه كان في الفرج، وادعت الاستكراه، وأنها لو ادعت أن الإصابة كانت خارج الفرج فوصل الماء فحملت; لصدقت، كما يصدق من شهد عليه أنه كان بين فخذيها.

                                                                                                                                                                                        وفي حديث عويمر أنه لاعن وادعى عليها الزنى، ولم يقل: رأيت فرجا في [ ص: 6209 ] فرج فلاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما على ذلك، ولا أمره أن يثبت ذلك في لعانه ، وقد أخذ مالك بهذا مرة في الزوج خاصة دون الشهادة، فقال: إذا قذف امرأته أو نفى حملا لاعن ولم يسأل عن شيء ، اتباعا للحديث.

                                                                                                                                                                                        وكذلك الرجل يغتصب المرأة ويحتملها، ويبيت معها ثم يصبح ويقول: لم أصبها، أنه يصدق ولا يحد. أو يتزوج المرأة فيبيت معها، ثم تشهد عليه البينة من الغد بالزنى، فإنه يرجم، ويحمل على أنه أصابها البارحة. والأمر فيهما سواء; لأن كل ذلك من باب القضاء بالدليل وليس بالبينة، فإذا حمل عليه في ليلة البناء أنه أصاب ، حمل مثل ذلك على من اغتصب امرأة وهو في الاغتصاب أولى; لأنه حملته الشهوة على أن أتى إلى مثل هذه الشهوة، ويثبت الآن وقد أصاب.

                                                                                                                                                                                        وإن ظهر بامرأة حمل تجن وتفيق، فقالت: أصابني ذلك في حال أجن فيه، صدقت، ولم تحد.

                                                                                                                                                                                        وإن ظهر حمل بامرأة، فإن كانت ملكا لامرأة أو لصبي أو ما أشبه ذلك- [ ص: 6210 ] حدت، وإن كانت لرجل وأنكره ولم تدع أنه منه، حدت، وإن ادعت أنه منه، حلف أنه ما أصابها إن أنكر الإصابة أو لقد استبرأ، وإن اعترف بالإصابة وادعى الاستبراء، ثم لا حد عليه ; لأن دعواها على السيد شبهة، ويمينه مظنونة ليس مما يقطع بصدقها، وله أن يعاقبها; لأنه أمين على عقوبتها، وذلك من صلاح المال، وله أن يحدها على القول أن له أن يقيم عليها الحد بعلمه، وليس ذلك للإمام إذا اختلفت مع السيد; لأن السيد يقول: أقطع أني لم أصبها، والإمام لا يقطع بكذبها.

                                                                                                                                                                                        ومن المبسوط في امرأة معها ولد، وقالت: لم ألده، وشهد عليها شاهدان أنها أقرت أنه ولدها، قال: لا تؤخذ بشهادتهما، وهي مثل ما لو شهد أنها أقرت بالزنى وحدت، لا تؤخذ في ذلك بأقل من أربعة. [ ص: 6211 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية