الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 6230 ] باب في إقامة السيد على عبده الحد وعقوبته إياه وشهادته عليه

                                                                                                                                                                                        للسيد أن يقيم على عبده حد الزنى والقذف وشرب الخمر وما أشبه ذلك مما هو جلد، وليس يقطع جارحة منه ولا يقطعه في سرقة ولا حرابة، ولا يقتص منه إن قطع يد عبد له آخر أو يد عبد لغيره أو يد حر على قول من أجاز القصاص في ذلك، ولا يقتله في حرابة ولا في قصاص، والأصل في إقامة الحد عليه قول النبي في: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها. . . " الحديث أخرجه البخاري ومسلم ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أقيموا الحدود على أرقائكم" فله أن يقيم الحد على عبده أو أمته إذا زنت ولم يكن لها زوج أو كان زوجها عبده.

                                                                                                                                                                                        وقال في مختصر ابن عبد الحكم: ولا يقيم ذلك عليها إذا كان زوجها حرا أو عبدا لغيره لما تعلق بها حق لغيره وهو مما يدرك الزوج منه معرة ، وأيضا فإنه يفسد جسمها، وإن كان ذلك مما يذهب بعد إلا أن يعترف الزوج بصحة [ ص: 6231 ] الشهادة فيقيمه ولا يرفع ذلك إلى الحاكم .

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يقيم الحد على عبده بعلمه، فمنع ذلك في المدونة إلا أن يشهد عنده أربعة سواه إذا كانت الشهادة على زنى وإن كان هو تمام الأربعة فيرفعه إلى غيره .

                                                                                                                                                                                        وحكي عنه في المبسوط أنه قال: مرة له أن يقضي بعلمه وإن لم يطلع على ذلك سواه. وكأنه رأى أن ذلك من باب التأديب لأمته وعبده، ولأن في ذلك صلاحهما، ولا خلاف أن له تأديبهما بعلمه في الجنايات وما يستحقان عليه العقوبة، فإذا كان ذلك وكان الغالب في مثل ما يفعله من هذه الأشياء عدم البينة، وأن السيد وأهله الذين يطلعون على ذلك- أدى إلى فسادهم وألا ينزجروا عن ذلك; لأن في إقامة الحدود زجرا عن العودة إلى مثل ذلك، وقد أباح مالك أن يبلغ في العقوبة من العدد ما يكون حدا، ولا يلزم على ذلك الزوجة الحرة وإن كان قد جعل له تأديبها; لأن لها حرمة وهي محصنة، فليس له أن يلزمها معرة ذلك إلا أن يثبت ، وإن كانت الزوجة أمة لغيره منع من ذلك، لحق السيد، ليس لحرمتها.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك بن الماجشون: إذا رأى أمته تزني فلا يجلدها; لأنه ليس للسلطان أن يجلد برؤيته وإن كان حمل أو ولد فللسيد أن يحد فيه ويحضر للحد أربعة فصاعدا. [ ص: 6232 ]

                                                                                                                                                                                        قال مالك: وقد تعتق فيفترى عليها فلا يوضع الحد عمن قال لها ذلك إلا بأربعة شهداء.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن وجد عبده سكرانا فلا يجلده حتى يشهد على سكره ويحضر جلده رجلين فصاعدا; لأن العبد عسى أن يعتق ثم يشهد فيجرحه المشهود عليه فترد به شهادته.

                                                                                                                                                                                        ولا يختلف أنه لا يقطعه في سرقة أو قصاص فإن فعل ذلك وأقام البينة على ما يجب به قطعه لم يكن على السيد شيء، وإن لم تكن للسيد بينة أعتق عليه; لأنها مثلة، إلا أن يعترف العبد بالسرقة أو أنه قطع الذي اقتص منه مثله.

                                                                                                                                                                                        وأرى إن أنكر العبد وشهد شاهد عدل بالوجه الذي قطعه السيد له- ألا يعتق عليه; لأنها شبهة تنفي عنه التعدي.

                                                                                                                                                                                        ولو قيل: إنه لا يعتق عليه إذا قطعه قصاصا مع عدم البينة وإنكار العبد لكان له وجه; لأن وجود قطع اليدين بالمقتص ودعواه عليه شبهة بينة للسيد.

                                                                                                                                                                                        تم كتاب الرجم

                                                                                                                                                                                        بحمد الله وحسن عونه

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية