الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في القضاء في جراح العبيد بعضهم بعضا

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: القضاء عندنا في جراح العبيد كهيئته بين الأحرار، نفس الأمة بنفس العبد وجرحها بجرحه، وإقادة العبيد بعضهم من بعض في الجراح يخير السيد إن شاء استقاد وإن شاء أخذ العقل .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: جرح العبد يجتمع فيه حقان ، حق للسيد، وحق للعبد المجروح، والسيد المبدأ; لأن القصاص فيه تلف لماله فإن أحب العفو ويجريه على أحكام الخطأ في أنه يعود مالا كان ذلك له، وإن أحب أسقط مقاله في تلف المال وأجراه على أحكام القصاص في قول الله تعالى في آية القصاص : والعبد بالعبد [البقرة: 178] وإن قال السيد: أنا أقتل، وقال العبد: أنا أعفو- كان القول قول السيد.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إن شج عبد عبدا عمدا فنزى في جرحه أن ذلك [ ص: 6337 ] مثل الأحرار يستقاد من الجرح الأول، ثم ينظر فإن نزى من جرح الثاني مثل الأول، وإلا كان عقل ما بينهما في رقبته إن شاء سيده فداه بدية الزيادة أو أسلمه، فإن تنامت بالثاني إلى أكثر من الأول لم يكن للسيد على الجارح الأول شيء، وكل هذا إذا ثبت الجرح بشاهدين، فإن كان بإقرار العبد سقط أن يكون الزائد في رقبة العبد، وإنما يؤخذ بإقراره القصاص دون الزائد، وإن كان الشاهد واحدا على الجرح حلف العبد المجروح مع شاهده واقتص.

                                                                                                                                                                                        قال عبد الملك: فإن نكل حلف سيده واقتص، وإن نكل حلف الجارح وبرئ، فإن نكل حلف سيده واقتص ، فإن نكل ثبت عليه القصاص وكان لسيد العبد المجروح أن يقتص، فإن قال: آخذ ما نقص عبدي بنكول الجارح كانت اليمين على سيد الجارح أن الذي شهد به الشاهد باطل، فإن نكل غرم دية الجرح أو أسلم عبده، وإن كان قتيلا لم يكن بد من أن يحلف [ ص: 6338 ] العبد القاتل; لأنه لعله يقر فيقتل ، فإن أبى أن يحلف حلف سيده.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وهذا خلاف لقول ابن القاسم; لأنهم لا يرون بين العبيد قصاصا بشهادة رجل واحد في جراح ولا قتل، ولكن يحلف سيده مع شاهده ويأخذ قيمة عبده أو ما نقص.

                                                                                                                                                                                        وقال ربيعة في مائة عبد قتلوا رجلا حرا فمنهم الباطش ومنهم الآمر، وقد قامت بذلك بينة فدفعوهم إلى الولي ليقتلهم فاستحياهم وأراد استرقاقهم، فليس له إلا الدية يستوفيها منهم فقط .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: وعلى أحد قولي مالك في عين الأعور أن للمفقوءة عينه إذا كان الأول صحيح العينين والفاقئ أعور أن له دية عين الأعور; لأنه ملك أخذها فيأخذ منه دية ما ملك أخذه، وإن كانت دية عينه خمسمائة دينار فيكون لأولياء القتيل أن يأخذوا قيمة المائة عبد; لأن الولي ملك قتل جميعهم فيأخذ قيمة ما ترك مما كان له أخذه . [ ص: 6339 ]

                                                                                                                                                                                        وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب الديات في الرجل يقتل المرأة عمدا أن لأوليائها إذا عفوا أن يأخذوا دية الرجل على هذا القول لما ملكوا قتله.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في عبدين لرجل يجرح أحدهما صاحبه: أن بينهما القصاص إن أحب ذلك السيد، ولكن لا يجوز ذلك إلا عند سلطان . [ ص: 6340 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية