الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الديات وما يكون منها حالا وما يكون منجما

                                                                                                                                                                                        الدية ثلاثة أصناف: إبل، ودنانير، ودراهم.

                                                                                                                                                                                        وهي من الإبل مائة، ومن الدنانير ألف، ومن الدراهم اثنا عشر ألف درهم فضة خالصة، والمراعى فيها كسب الغارمين دون كسب أولياء القتيل، فإن كان الغارمون أهل إبل غرموا إبلا وإن كان القتيل من أهل الذهب والورق.

                                                                                                                                                                                        فالدية من الإبل إذا كان القتل خطأ- أخماسا: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة. وإن كان القتل عمدا كانت أرباعا: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، يسقط منها عن الخطأ بنو اللبون. وإن كانت عن شبه العمد كانت أثلاثا: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها، وهي المغلظة.

                                                                                                                                                                                        واختلف في أسنانها، فقال ابن القاسم: لا أبالي أي الأسنان كانت . وقال أشهب وابن شهاب وعبد العزيز بن أبي سلمة في كتاب محمد: ما بين ثنية إلى بازل عامها .

                                                                                                                                                                                        وذكر النسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثل ذلك ، [ ص: 6365 ] وجعل العمد مثل المغلظة أثلاثا، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل عمدا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية وهي: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة وأربعون خلفة" ، وبهذا أخذ الشافعي.

                                                                                                                                                                                        واختلف قول مالك في شبه العمد إذا وجب على أهل الذهب والورق على ثلاثة أقوال: فقال في كتاب محمد: لا تغلظ عليهم ولا يزاد عليهم على ألف دينار إن كانوا أهل ذهب . ثم رجع فقال مثل ما في الكتاب: تغلظ وينظر إلى قيمة الخطأ من الإبل وهي الأخماس وقيمة المغلظة فالجزء الذي تزيده المغلظة على الأخماس يزاد على أهل العين في ديتهم مثل ذلك الجزء . وذكر البغداديون عنه أنه قال: تلزمهم قيمة المغلظة من الإبل ما بلغت ما لم تنقص عن ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم .

                                                                                                                                                                                        وقوله في المدونة أحسن، وإذا اعتبرت الدية في ذلك على أهل الإبل وزيد فيها وجعل لأولياء القتيل في ذلك حق لم يصح أن يسقط مقالهم فيه إذا كانوا أهل عين، وإذا صح ذلك كان الاعتبار بالجزء ما بين الديتين أحسن; لأن الاعتبار بقيمة المغلظة بانفراده يؤدي في بعض الأحوال إلى سقوط التغليظ إذا [ ص: 6366 ] كانت قيمة الإبل ألف دينار.

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا في تغليظ العمد على أهل العين، فقال ابن القاسم في كتاب محمد : لا تغلظ ولا يزاد عليهم على ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم. وقال أشهب: تغلظ عليهم وينظر قيمة العمد من الإبل وهي الأرباع من قيمة الخطأ فيزاد ذلك الجزء على أهل الذهب والورق . وعلى رواية البغداديين يكون عليهم قيمة العمد ما لم ينقص ذلك من دية العين .

                                                                                                                                                                                        وقول أشهب أحسن، والوجه فيه ما تقدم في شبه العمد، ومحمل قول ابن القاسم لا تغلظ على قول مالك في شبه العمد أنها لا تغلظ.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية