الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الصلاة على ولد النصراني يكون ملكا لمسلم فيموت قبل أن يسلم، أو بعده

                                                                                                                                                                                        واختلف في الصغير من ولد أهل الكتاب يموت قبل أن يسلم، وهو ممن لا ذمة له، فقيل: هو على حكم الكافر لا يصلى عليه إلا أن يسلم، ويعرف ما أجاب إليه، وسواء كان معه أبواه أو لم يكونا، صار في سهمانه، أو اشتراه من حربي قدم به، أو توالد في ملك مسلم من عبديه النصرانيين كان من نية صاحبه أن يدخله في الإسلام أم لا، وهذا قول مالك وابن القاسم.

                                                                                                                                                                                        وقال معن: إن اشتراه ومن نيته أن يدخله في الإسلام صلي عليه، وقال ابن الماجشون: إن لم يكن معه أبواه في حين الابتياع ولم ينته إلى أن يتدين أو يدعى، وملكه مسلم فله حكم المسلمين، في الصلاة والمواراة، والقود، والمعاقلة والعتق.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب ابن حبيب: إن مات بحدثان ملكه وفوره لم يصل عليه، ولم يجزئ عن رقبة واجبة، وإن لم يكن بحدثان ملكه وقد تشرع بشريعة الإسلام، وزياه بزينة الإسلام، فله حكم الإسلام في الصلاة والمواراة والقود [ ص: 667 ] والعتق عن الواجب.

                                                                                                                                                                                        قال ابن حبيب: فأما من ولد من الكتابيين في ملك مسلم فلا يجبر. يريد: بخلاف الأول إذا توالد في ملك كافر، وعكس أبو مصعب الجواب، فقال: من ولد من النصارى أو اليهود في ملك مسلم فهو على فطرة الإسلام. يريد: بخلاف من توالد في ملك كافر، فوجه القول الأول، أنه لما كان على أحكام النصرانية إذا كان لأبويه ذمة، أو قبل أن يملكه المسلم، فلا ينتقل عنها إلا بالمعرفة بالله سبحانه فحينئذ يكون له حكم الإسلام، ووجه القول أنه على حكم الإسلام إذا لم يكن معه أبواه، قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه..." الحديث، أي: على السلامة من الكفر حتى يهود أو ينصر، وقيل: على الإسلام؛ لقول الله سبحانه: ألست بربكم قالوا بلى [الأعراف: 172] أي ذلك كان فإنه ليس بكافر قطعا ولا مؤمن; لأنه من يوم توالد إلى أن يعقل كالبهيمة لا ينسب إلى معرفة ولا إلى جحود، وهو غير عارف بالله -عز وجل- [ ص: 668 ] وغير عارف بوجوه الجحود.

                                                                                                                                                                                        وإذا كان كذلك كان ولد الذمي إذا كان صغيرا لا يعقل على أحكام من كفر؛ للعهد والذمة التي لأبيه، وأنه لا يعارض في ولده بدين ينقل إليه، ليس لأنه كافر.

                                                                                                                                                                                        فإذا كان مسبيا وحده، أو مع أبويه، أو توالد في ملك مسلم، لم يكن على أحكام الكفر; لعدم الذمة وعدم العهد في الآباء.

                                                                                                                                                                                        وإذا كان الأب عبدا وتوالد له ولد في ملك مسلم لم يكن له حق إلا في نفسه إلا أن يجبر على الإسلام; لأنه قد اختار في حين القتال الرق على الإسلام، فأما ولده فلا مقال له في دينه، وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "... الله أعلم بما كانوا به عاملين" فإنما أخبر أن الله -عز وجل- يعلم الشيء أن لو كان كيف كان يكون، وذلك مثل قول الله سبحانه: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه [الأنعام: 28] ولم يرد أنهم يكونون في الآخرة على حكم ما لو عاشوا لفعلوه من إسلام أو كفر; لأن الإنسان لا يجازى بما لم يعمل، ولا يثاب ولا يعاقب على ما لم يعمله من خير أو شر، ولا خلاف أنه لو نوى إنسان أن يشرب خمرا أو يقتل رجلا ثم لم يفعل أنه لا يقام عليه [ ص: 669 ] حكم من فعل ذلك، والصغير أبين; لأنه لم تكن منه نية لفعل شيء.

                                                                                                                                                                                        وكذلك أولاد المسلمين إذا ماتوا صغارا ، الله أعلم بما كانوا عاملين لو عاشوا، هل يعملون بعمل أهل السعادة؟ أو أهل الشقاوة؟ وهل يكون مسلما أو كافرا؟ إلا أنه يكون على حكم من لم يعمل شيئا من ذلك.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية