الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل: واختلف في الصوم بشهادة الواحد

                                                                                                                                                                                        واختلف في الصوم بشهادة الواحد إذا أخبر عن رؤية نفسه فمنع مالك أن يصام بشهادته لا على وجه الوجوب، ولا على الندب، ولا على الإباحة. وقال سحنون: لو كان مثل عمر بن عبد العزيز ما صمت بقوله ولا أفطرت.

                                                                                                                                                                                        وقال أحمد بن ميسر: إذا أخبر عما ثبت في البلد، أو أخبر عن بلد آخر أنه رئي به صيم بقوله. وأجازه ابن الماجشون في البلد نفسه إذا أخبر عن رؤية نفسه أو رؤية غيره، فقال ابن ميسر: إذا أخبرك الرجل العدل أن الهلال ثبت عند الإمام وأمر بالصيام، أو نقل ذلك عن بلد آخر، لزمك العمل على خبره.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد -رضي الله عنه-: كما أن الرجل ينقل إلى أهله وابنته البكر مثل ذلك، فيلزمهم الصيام بقوله. وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: ينبغي إذا كان الناس مع إمام يضيع أمر الهلال ألا يدعوا ذلك من أنفسهم، فمن ثبت عنده برؤية نفسه، أو برؤية من يثق بصدقه صام [ ص: 728 ] عليه وأفطر، وحمل عليه من يقتدي به.

                                                                                                                                                                                        وأجاز في هذا ثلاثة أشياء: الفطر والصوم بقول الواحد، إذا كان أخبر عن رؤية نفسه، وأن يحمل عليه من يقتدي به; لأنه يقطع بصدق نفسه، وأن يحملهم على قول غيره إذا كان ثقة عنده، فإذا جاز أن يحمل من يقتدي به على الصوم بقول الواحد عند تضييع الإمام جاز للإمام أن يحمل الناس على مثل ذلك; لأنه لا يجوز أن يفعل عند عدم الإمام إلا ما يجوز للإمام أن يفعله، والأصل في ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم".

                                                                                                                                                                                        فأباح الأكل بقول بلال وحده، وألزم الإمساك بقول ابن أم مكتوم وحده، والأول يخبر عن رؤية نفسه، والثاني يخبر عما يخبره به غيره، وعلى هذا يجوز أن يفطروا بقول الواحد إذا أخبر عن غروب الشمس، فإن قيل: المؤذن في هذا بخلاف غيره; لأن الناس أقاموه لذلك، فأشبه الوكيل، قيل: يلزم على هذا أن يجوز مثل ذلك في الهلال إذا أقاموا واحدا لالتماسه لهم فيعملوا على ما يخبرهم به من هلال رمضان أو شوال، مع أن العمل على ما يقوله المؤذن، كان السامع له من أهل تلك المحلة أو غيرها.

                                                                                                                                                                                        وفي النسائي: عن ابن عباس قال: "جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أبصرت الهلال الليلة. فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد عبده ورسوله. قال: نعم. قال: يا بلال، قم فأذن في الناس فليصوموا غدا". وقد قيل في هذا الحديث: إنه يحتمل أن [ ص: 729 ] تكون تقدمت شهادة للآخر بمثل ذلك.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية