الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [أحوال المغمى عليه]

                                                                                                                                                                                        للمغمى عليه خمس حالات: حالة لا يجزئ معها الصوم، وحالة يجزئ، وثلاث مختلف فيهن، هل يجزئ معها الصوم أم لا؟ فإن كان الإغماء قبل طلوع الفجر متماديا إلى غروب الشمس لم يجزئه صوم ذلك اليوم، وإن كان الإغماء بعد طلوع الفجر وأغمي عليه أيسر النهار أجزأه، واختلف إذا كان الإغماء قبل الفجر والإفاقة بعده ولم يطل ذلك، فقال مالك في المدونة: لا يجزئه، وفي سماع أشهب عنه: أنه يجزئه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان الإغماء بعد طلوع الفجر، والإفاقة نصف النهار أو أكثره فقال مالك في المدونة: يجزئه إذا أغمي عليه نصف النهار، ولا يجزئه في أكثره، وقال في كتاب ابن حبيب: إن أغمي عليه نصف النهار لم يجزئه، وقال [ ص: 755 ] أشهب: إن أغمي عليه أكثر النهار يقضي استحسانا، ولو اجتزأ به رجوت أن يجزئه، وقال ابن وهب: يجزئه.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: وأرى أن لا يجزئه إلا أن يغمى عليه بعد الفجر أيسر النهار فيكون قد انعقد له أوله وتقرب إلى الله سبحانه بإمساك معظمه، ويعفى عما أغمي عليه فيه لقلته، ولا يجزئه إذا كان الإغماء قبل الفجر; لأنه لم يكن حينئذ من أهل التكليف، وهو بمنزلة المجنون وليس بمنزلة النائم; لأن النائم مخاطب ويقضي الصلاة وهذا لا يقضيها; لسقوط الخطاب عنه، وهو بمنزلة الصبي يحتلم في بعض النهار، وقول ابن حبيب: إن للمغمى عليه أن يأكل بقية يومه مما يؤيد هذا، وأن لا يجزئه إذا كان الإغماء بعد الفجر نصف النهار أو أكثره; لأن المراد من الصائم حبس نفسه عن الملاذ من طعام أو شراب وغير ذلك حسبة لله وابتغاء مرضاته، وهذه صفة لا توجد من المجنون ولا المغمى عليه. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- مخبرا عن ربه -عز وجل- في الصائم: "... يدع طعامه وشرابه من أجلي..." الحديث.

                                                                                                                                                                                        وقيل في معنى قوله تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة [البقرة: 45]: إنه الصوم، ويجري الجواب في المجنون إذا جن قبل الفجر أو بعده أيسر النهار أو أكثره على ما تقدم في المغمى عليه، وإن طلع الفجر على من به سكر أذهب عقله لم يجزئه صومه ذلك اليوم ولم يجز أن يفطر بقيته وإن كان غير جاز عنه. [ ص: 756 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية