الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل: يتضمن الاعتكاف: الصلاة وتلاوة القرآن والذكر

                                                                                                                                                                                        متضمن الاعتكاف: الصلاة، وتلاوة القرآن، والذكر لله تعالى; فعلى من دخل معتكفه أن يلتزم ذلك في ليله ونهاره بقدر طاقته، ولا يدع ذلك إلا لغلبته، قال مالك: ولم يبلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا أحد ممن سلف من سلف هذه الأمة ممن أدركت أقتدي بهم اعتكف، ولا أراهم تركوه إلا لشدة الاعتكاف; لأن ليله ونهاره سواء. ولا بأس أن يكون إماما، وأن يؤذن في صحن المسجد.

                                                                                                                                                                                        واختلف قول مالك في صعوده المنار للأذان، فأجازه وكرهه، ولا بأس أن يقيم في مكانه. ويختلف في سعيه وتماديه بالإقامة إلى موضع الإمام، فكره [ ص: 841 ] ذلك في المدونة، ويجوز على قوله الآخر في إباحته صعود المنار; فأما إمامته فاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يستخلف في حين اعتكافه، وأما الأذان والإقامة فلأن مضمونهما الذكر والتهليل، وهو من جنس ما دخل له، وكره صعوده مرة; لأنه من غير جنس ما دخل له، وأجاز ذلك ليسارة ذلك القدر.

                                                                                                                                                                                        وأما سعيه في الإقامة فواسع; لأن للمعتكف أن يطلب فضيلة الصف الأول، وإذا كان ذلك لم يضره أن يكون حينئذ في إقامة، وأجاز مالك أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر، وأن يجلس للعلم، ويكتبه إذا لم يكثر أيضا، وترك ذلك أحب إليه.

                                                                                                                                                                                        وأجاز له إذا كان حكما أن يحكم بالأمر الخفيف. وأجاز ابن القاسم أن يشتري ويبيع فيما خف إن كان من عيشه. قال مالك: ولا بأس أن ينكح وينكح ويتطيب.

                                                                                                                                                                                        واختلف في صلاته على الجنازة وهو في مكانه فكرهه في المدونة، وفي [ ص: 842 ] المعونة: إجازته. فأما حديثه واشتغاله عن الاعتكاف بمثل ذلك فالأصل في ذلك الحديث، قال: "جاءت صفية إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوره، فتحدثت عنده ساعة" أخرجه البخاري ومسلم. وهذا الحديث أصل يقضي على جميع ما تقدم من اشتغاله في استماع العلم، أو كتبه، أو عقد نكاح، ولأن في ذلك راحة وقوة على ما يريده بعد ذلك.

                                                                                                                                                                                        والأصل في عقد النكاح لنفسه ولغيره، وفي التطيب -بخلاف المحرم- حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدني إلي رأسه وهو مجاور في المسجد، فأرجله وأنا حائض" فلو كان كالمحرم لم يرجل رأسه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية