الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في نقل الزكاة]

                                                                                                                                                                                        واختلف في نقل الزكاة على أربعة أقوال : فقال مالك : تقسم في البلد الذي أخذت منه ، وإن أصابت قوما سنة ، فأذهبت مواشيهم ، فنقل إليهم بعض ذلك- رأيته صوابا ، وقال أيضا : لا بأس أن يوجه بالزكاة من بلد إلى بلد .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون : إن أخرجها في غير قريته وفيها فقراء ، لم تجزئه . وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد : إنما يقسم في الموضع الذي أخذت منه الزكاة سهم الفقراء والمساكين ، وأما الستة الأسهم ؛ سهم العاملين عليها ، والمؤلفة قلوبهم ، وفي الرقاب ، والغارمين ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل ، فيقسم بأمر الإمام في [ ص: 945 ] أمهات البلاد التي فيها الأئمة .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : مفهوم حديث معاذ أن لا تنقل لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "أخبرهم أن الله -عز وجل- فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" وأيضا فإن القياس إذا كان فقراء بين أغنياء ، أن لا تنقل عنهم زكواتهم ، ويكلفوا إلى أن يطلبوا زكوات قوم آخرين في بلد آخر ، أو يقيموا على خصاصة ، أو يكلف من هو بينهم من الأغنياء مواساتهم ، فيكون قد كلفوا زكاة أخرى إلا أن تنزل بقوم سنة ، فتنقل إليهم لتغليب أحد الضررين ؛ لأن الغالب فيمن نزل بهم ذلك ، فنقلها إليهم لتحيا بها النفوس ، ولا يخشى ذلك على من تنقل عنهم . وقد روي عن معاذ أنه نقل الزكاة ، وقال لا نقبل الثمن : "ائتوني بخميس أو لبيس مكان الشعير والذرة ، فإنه أهون عليكم وأنفع لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة" .

                                                                                                                                                                                        والحديث محتمل أن يكون نقل ما بعد سهم الفقراء والمساكين كما قال ابن الماجشون ؛ لأنه كان بالمدينة المجاهدون ، وهم يأخذونها لقوله تعالى : وفي سبيل الله [التوبة : 60] . والمهاجرون هم في معنى ابن السبيل والمؤلفة قلوبهم ، أو [ ص: 946 ] نقل الجميع للحاجة التي كانت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في إعطاء من يدخل في الإسلام ، وينقذهم من الكفر ، فقام ذلك مقام من أعطي في سنة الجدب ، وقد قال مالك في المستخرجة : أستحب لأهل الأمصار أن يحملوا زكواتهم إلى المدينة ؛ لأنها دار الهجرة والتنزيل ، وأهلها يصبرون على لأوائها وشدتها .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية