الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن أفسد حجة الإسلام أو التي نذرها]

                                                                                                                                                                                        وإن أفسد حجة الإسلام ، أو حجة كان نذرها في الذمة أتى بحجة واحدة .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أفسد القضاء ، فقال عبد الملك : عليه حجة واحدة . وهي الأولى : حجة الإسلام ، أو التي نذر . وقال ابن القاسم : يأتي بحجتين . إحداهما عن الأولى التي في الذمة ، والأخرى عن التي أفسد آخرا ، قال : وقد قاله فيمن أفطر يوما من رمضان ثم أفطر القضاء ؛ عليه يومان ، قال : والحج مثله .

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ : الصوم بخلاف الحج ؛ لأن الحج عمل ثان أفسده فعليه قضاؤه . قال وليس بالقوي ، ولا الواجب إلا القضاء عن الأول فقط . وقول عبد الملك [ ص: 1281 ] أحسن ؛ لأنه لم يختلف في السؤال الأول إذا أفسد حجة الإسلام أن ليس عليه سوى حجة الإسلام ، وأنه في ذلك بمنزلة من لم يتقدم له إفساد . فإذا جعل إحرامه في العام الثاني قضاء عن حجة الإسلام ، وسقط حكم التي أفسد ، ولم يخاطب عنها بشيء ، وكأنه لم يأت بالتي أفسد- كان حكم الثانية والثالثة حكم الأول ، وأن الخطاب إنما يتوجه عليه أن يأتي بالتي في الذمة خاصة ، كأنه لم يكن أفسد . ولو صح أن يكون عليه قضاء الفاسد وقضاء ما في الذمة ، لكان ذلك عليه في أول عام إذا أفسد ، فيقضي التي أفسد والتي في الذمة .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن قرن ، وطاف أول ما دخل مكة وسعى ، ثم جامع : عليه أن يقضي الحج والعمرة . قال له سحنون : ولم لا يكون قد تمت عمرته حين طاف وسعى ؟ فقال : لأن ذلك الطواف والسعي للعمرة والحج .

                                                                                                                                                                                        ومعارضة سحنون صحيحة ، ولا ينبغي أن يكون عليه عن العمرة شيء ؛ لأنها تمت بفراغه من السعي ، فلم يبق إلا الحلاق ، منع منه بقاؤه على الحج ، وإنما أفسد بوطئه بعد ذلك الحج وحده ، ولم يغلب على العمرة . قال أيضا فيمن قرن ففاته الحج : يحل بعمرة ، ويقضي قارنا . والقياس أن يقضي الحج وحده ؛ لأن الفوات من الحج وحده ، ولم يغلب على العمرة ؛ لأن الوقت الذي ينحل فيه وقت لها ، وقد وفى بها .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن أفسد وهو مفرد ، فقضى قارنا : لم يجزه . لأن حج القارن ليس تاما كتمام المفرد ، إلا بما أضاف إليه من الهدي . فإن أفسد وهو [ ص: 1282 ] قارن ؛ قضى قارنا ، وإن قضى الحج والعمرة مفردين ؛ لم يجزه .

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك : إن كان مفردا ، فقضى قارنا ؛ أجزأه . وهو أحسن لوجهين : أحدهما : أن الهدي عنده يرفع الوصم ، ويصير تاما كتمام المفرد .

                                                                                                                                                                                        والثاني : أن من أتى بحجة الإسلام قارنا ؛ أجزأه .

                                                                                                                                                                                        فإن كان الفرض حجا بانفراده ، فتطوع بإضافة العمرة- أجزأه . ولا يقال له : إنه غير جائز ؛ لأنه اشترك بين فرض وتطوع . وإن كان ذلك فإنه لا يخلو أن تكون الحجة التي أفسد حجة الإسلام ، فلا يكون إفساده أوكد في الوجوب مما كان يجزئه أن يأتي به ابتداء أو تطوعا ، فلا يكون التطوع آكد . وكذلك ، إذا أفسد وهو قارن ، فأتى بالحج والعمرة مفردين يجزئانه ؛ لأنه أتى بأفضل مما أفسده لأنه أفسد طوافا واحدا وسعيا واحدا ، وأتى بطوافين وسعيين . والقارن يأتي بالهدي لإسقاط أحد العملين ، وإسقاط أحد السفرين ، فجمعها بدم . والمتمتع يأتي بدم لإسقاط أحد السفرين . وقد وفى هذا بالعملين من أتى بالعمرة من أشهر الحج . وإن أتى بها قبل أشهر الحج كان أبين ؛ لأنه أتى بعملين سلم فيهما من الهدي .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية