الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [انعقاد الإحرام]

                                                                                                                                                                                        الإحرام ينعقد بالنية والتلبية ، وليس عليه أن يسمي حجا ولا عمرة ؛ قياسا على الصلاة والصوم ، فليس عليه أن يسمي ما يدخل فيه من صلاة ولا صوم ، فإن سمى حجا أو عمرة فواسع .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا نوى وتوجه ناسيا التلبية ، أو نوى ولم يتوجه ، فقال مالك في المدونة : إن توجه ناسيا التلبية فهو محرم بنيته .

                                                                                                                                                                                        يريد : لأنه حصل منه نية وفعل ، وهو التوجه ، ولم ير التلبية كتكبيرة الإحرام .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : التلبية كتكبيرة الإحرام .

                                                                                                                                                                                        وأما إن نوى ولم يتوجه فيختلف هل ينعقد عليه ما نوى قياسا على من عقد على نفسه يمينا أو طلاقا بالنية من غير نطق ؟

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف عن مالك في ذلك ، وهو في هذا بخلاف الصوم ؛ لأنه في الصوم نية وفعل ، وهو الإمساك عن الأكل والشرب ، وفي الإحرام نية بغير فعل .

                                                                                                                                                                                        وكذلك إن قرن ، فإن النية والتلبية تكفيه ، فإن سمى الحج والعمرة فواسع ، ويلزم الحج والعمرة تمتعا أو العمرة ثم الحج ، فإن التزم الحج ثم العمرة كان مفردا وإن نطق بالحج ثم العمرة . نظرت ، فإن كان أوجب القران بالنية معا ، أوجبتهما معا ، ثم أخذ في النطق ، فنطق بالحج ثم بالعمرة كان قارنا . وإن لم يوجب ذلك إلا بالنطق لزمه الحج وحده . [ ص: 1138 ]

                                                                                                                                                                                        وقال محمد فيمن أراد أن يهل بالحج مفردا فأخطأ ، فقرن أو تكلم بالعمرة ، قال : ليس ذلك بشيء ، فإنما ذلك إلى نيته ، وهو على حجه .

                                                                                                                                                                                        يريد : لأن الزائد على ما نواه لفظ بغير نية .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب فيمن لبى يريد الإحرام ، ولم ينو شيئا : الاستحسان أن يكون مفردا ، والقياس أن يكون قارنا .

                                                                                                                                                                                        قال : وإن نوى شيئا فنسي ما أحرم به كان قارنا لا بد .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : جوابه في السؤالين على مثل أهل المدينة ، أنه يخرج مرة للعمرة ، ومرة للحج . فأما أهل الغرب فإنما يحرمون للحج لا يعرفون غيره ، ولا يريدون إلا إياه . وقد قيل فيمن حلف بيمين ، فلم يدر بماذا حلف : أن كل يمين لم يعتد الحالف الحلف ما لا يدخل في يمينه مع الشك .

                                                                                                                                                                                        وإن شك هذا ، هل أفرد أو قرن - تمادى على نية القران وحده .

                                                                                                                                                                                        وإن شك ، هل أحرم بعمرة أو بحج مفردا ؛ طاف وسعى لإمكان أن يكون إحرامه لعمرة . ولا يحلق لإمكان أن يكون في حج .

                                                                                                                                                                                        ويتمادى على عمل الحج ، ويهدي لتأخير الحلاق ، وليس للقران ؛ لأنه لم يحدث نية للحج ، وإنما تمادى على نية تقدمت ، وتلك النية كانت لشيء واحد .

                                                                                                                                                                                        فإن كانت لعمرة ؛ فقد تمت بالطواف والسعي ، وتماديه بعد ذلك لا يكون به قارنا .

                                                                                                                                                                                        وإن كانت نيته للحج كان مفردا ، وكان ذلك الطواف له لا للعمرة ؛ لأنه [ ص: 1139 ] لم يحدث نية للعمرة .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية