الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في طواف الوداع وطواف التطوع

                                                                                                                                                                                        الأصل في طواف الوداع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت" فكل من خرج من مكة من أهلها أو غيرهم ، من حاج أو معتمر ، ولم يكن خروجه بفور طوافه للإفاضة أو طواف التطوع ، أو من قدم لتجارة أو غيرها ، ولم يكن حج ولا اعتمر ، فخرج أحد ممن تقدم ذكره ، وهو لا يريد الرجوع ، أو يريد ذلك بعد أن يبعد عن مكة- فإنه يطوف عند خروجه .

                                                                                                                                                                                        ومن كان خروجه بفور طوافه من حج أو عمرة ، أو طاف تطوعا ، أو لم يكن بفور ذلك ، وكان سفره إلى الموضع القريب لم يكن عليه طواف . قال مالك في المدونة فيمن خرج للعمرة : إن كان يعتمر من التنعيم أو الجعرانة لم يكن عليه طواف الوداع ، وإن كان يعتمر من الجحفة أو غيرها من المواقيت فإنه يطوف للوداع ، قال ابن القاسم : طواف الوداع على النساء والصبيان والعبيد وعلى كل أحد .

                                                                                                                                                                                        ومن شرطه : أن يكون عند سفره وخروجه من غير تراخ ، فإن اشتغل بعده بالشيء اليسير فلا بأس . قال مالك : إن اشترى بعض جهازه أو طعامه ، فأقام في ذلك ساعة لم يكن عليه إعادة . قال ابن القاسم : وإن أقام يوما أو بعض يوم أعاد . وقال ابن الماجشون في المبسوط : إن بات ليستأنف كراء ، أو [ ص: 1194 ] ليعد مرفقا لم يعد .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر : ومن ودع ثم أقام الغد بمكة فهو في سعة أن يخرج . والقول الأول أسعد بالحديث . ولو جاز أن يجتزئ بذلك مع طول الإقامة لأجزأ طواف الإفاضة ؛ لأنه يجزئ عن طواف الوداع إذا خرج بالفور . وأما إن خرج من فوره ، فأقام بذي طوى ؛ فليس عليه أن يعيد . واستحب مالك لمن خرج ، ولم يطف للوداع أن يرجع إن كان قريبا ، ولم يخف فوات أصحابه ، ولا منعا من كريه . فإن خاف ذلك ، وكان قد أبعد ؛ لم يرجع .

                                                                                                                                                                                        وقد رد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلا من مر الظهران لم يطف للوداع .

                                                                                                                                                                                        وإن حاضت امرأة قبل أن تطوف للوداع خرجت ، ولم يحبس عليها كريها ، وإن لم تكن طافت للإفاضة ، فقال مالك : يحبس عليها كريها أقصى ما يحبسها الدم ، ثم تستظهر بثلاث ، ولا يحبس عليها أكثر من ذلك .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : اختلف قول مالك في ذلك ، فقال مرة : خمسة عشر يوما . وقال مرة : سبعة عشر يوما ، وتستظهر بيوم أو يومين . وقال مرة : شهرا أو نحوه . وليس هذا بالبين ؛ لأنها إذا جاوزت الخمسة عشر يوما أو سبعة عشر يوما كانت في حكم الطاهر ؛ تصلي وتصوم ، ويأتيها زوجها ، [ ص: 1195 ] وتطوف . وإن كانت تحيض يوما وتطهر يوما طافت يوم طهرها ، وخرجت . وعلى قوله في كتاب محمد : يحبس عليها شهرا يكون الدم لا غاية له ، وتمسك إذا لم يتغير الدم عن حاله الأول من أول ما رأته . وإن أقامت شهرا ، أو لم تكن مستحاضة ، إلا أن يتغير الدم عن حاله إلى الاستحاضة ، قال في المدونة : إن كانت نفساء حبس عليها كريها أكثر ما يحبس النساء الدم من غير سقم .

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد : الحيض من شأن النساء . وأما الحمل فيقول : لو أعلم أنها حامل . وكل هذا فعلى عاداتهم في الأكرية ما بينمكة والمدينة ؛ لأن الرفاق لا تتعذر وهي مارة وراجعة . وأما غير ذلك من السفر إلى مصر والشام فإن للجمال ألا يتأخر ؛ لأنه لا يقدر على أن يتأخر على رفقته ، ولا أن يسافر وحده . ثم يختلف ، هل عليها أن تكري آخر مكانه ، ويفاسخها الكراء .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية