فصل [في النحر بمنى] 
النحر والذبح بمنى   ومكة  مختلف ، فأما منى فيختص ذلك فيها بأيام معلومة ؛ وهي : يوم النحر ويومان بعده ، فإن ذهبت لم تكن منحرا ولا مذبحا إلا لمثله من قابل . وأما مكة  فكل أيام السنة منحر ومذبح . ومن كان معه هدي في الحج ، وفاته أن ينحره بمنى  في تلك الأيام ، نحره بمكة   . 
ويفترقان أيضا في وجه آخر : أنه لا ينحر بمنى  عند  مالك  إلا إذا وقف به بعرفة   . وأجاز  ابن الماجشون  أن ينحر بمنى  وإن لم يوقف به ، وهو أحسن ؛ لأن  [ ص: 1234 ] الهدي لم يتقيد بوقوف ، ولا تعبد الناس فيه بذلك ، وما روي من كون هدايا الناس معهم في الموقف ، فلأن ذلك لأن منى لم يكن بها ساكن يحفظها فيها إن بات هناك ، والناس حينئذ بعرفة  ، فلو تركت بمنى  لضاعت . 
واختلف بعد القول أن من شرط النحر بمنى  الوقوف به في ثلاث مسائل : 
أحدها : إذا ساق الهدي في حج فضل قبل الوقوف ثم وجده في أيام منى  ، فنحره بمكة   . 
والثاني : إذا أوقفه ثم ضل ، فوجده بعد أيام منى   . 
والثالث : إذا أوقفه ، ثم نحره بمكة  في أيام منى  أو بعدها ، هل يجزئه في جميع ذلك ؟ فقيل : يجزئه ، ولا بدل عليه . وقيل : عليه البدل ؛ لأنه لما ساقه في حج وجب نحره بمنى  ، فلما لم ينحر بها لم يجزئه . وقال  أشهب   : إن فاته الوقوف نحره بمكة  ، وأجزأه ، وإن كان في أيام منى  ، وإن وقف به لم يجزئه بمكة  في أيام منى  ، وإن كان بعد أن ذهبت أيام منى  أجزأه . 
وإنما لم يجب عند البدل إذا لم يقف به أو وقف وخرجت أيام منى  ؛ لأن الحكم أن ينحر بمكة  ، وإذا وقف به ولم تخرج أيام منى  كان الحكم أن ينحره بمنى  ، فإن ترك منى  ونحره بمكة  كان متعديا وأبدله . وأرى أن يجزئ ذلك كله ؛ لأنها مواضع للذبح ، وكلها يتقرب إلى الله تعالى فيها بالذبح ، ولا خلاف أن لمن أتى بجزاء الصيد في الحج أن ينحره بمنى  ، وإن خالف نص القرآن ؛  [ ص: 1235 ] لقوله تعالى : بالغ الكعبة   [المائدة : 95] وإذا جاز ذلك مع مخالفة النص جاز أن ينحر بمكة  ما كان حكمه أن ينحر بمنى   . 
وقال  مالك  فيمن كان عليه جزاء صيد في عمرته ، أو في شيء نقصه في عمرته ، فأوقفه بعرفة  ، ثم نحره بمنى   : أجزأه . 
فبان بهذا أن هذه كلها منحر ، ينوب بعضها عن بعض . 
وتنحر الإبل قياما مقيدة  ، فتقيد لقوله تعالى : صواف   [الحج : 36] ، أي : تصف أيديها بالقيود ، وقائمة لقوله : فإذا وجبت جنوبها   [الحج : 36] ووجوبها : سقوطها إلى الأرض بعد النحر ، وفي  البخاري   : أن  ابن عمر  مر على رجل أناخ بدنته لينحرها ، فقال : "ابعثها قائمة مقيدة ، سنة محمد - صلى الله عليه وسلم  -" . 
وتضجع الغنم للذبح ، وكذلك البقر إن ذبحت ، وإن نحرت نحرت قياما . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					