الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 1309 ]

                                                                                                                                                                                        [باب في تحريم الصيد على المحرم]

                                                                                                                                                                                        الأصل في ذلك قول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم [المائدة : 95] ، وقوله تعالى : ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم [المائدة 94] . أي : يبتلي المحرمين بالصيد ليختبرهم فيعلم من يصبر مخافة منه فلا يعتدي فيصطاده ؛ تقى له ، وقال تعالى : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما [المائدة : 96] .

                                                                                                                                                                                        والمحرم في الصيد على ثمانية أوجه : يحرم عليه ثلاثة ، ويحل له اثنان ، واختلف في ثلاثة .

                                                                                                                                                                                        فيحرم الاصطياد ، وإن كان الاصطياد على صفة تسلم نفسه وتؤمن حياته .

                                                                                                                                                                                        ويحرم قتله ، وإن كان ملكا له قبل إحرامه ، أو في ملك غيره ، فإن ذبحه لم يكن ذكيا . وإن يستأنف ملكه من حلال بشراء أو هبة .

                                                                                                                                                                                        ولا يحرم ملكه إذا كان الملك متقدما له وهو حلال ، إذا كان في بيته ، وليس في يده ولا معه . وقال مالك : ليس عليه أن يرسله ؛ لأنه أسيره . واختلف إذا كان معه في رفقة أو في يده ، فقال مالك : إن كان يقوده ، أو في قفص أرسله . وقال محمد : إن كان معه في رفقة ؛ فلا شيء عليه . وفي مختصر ابن الجلاب : إن كان معه في رفقة [ ص: 1310 ] أرسله ، فإن لم يرسله حتى مات في يديه ؛ كان عليه جزاؤه . وقال أشهب : إن سافر به فلا شيء عليه . ومن أرسله من يده فعليه قيمته ، وقال محمد : في قوله إن سافر به فلا شيء عليه ؛ يريد : ويرسله . وظاهر قول أشهب خلاف ما ذهب إليه محمد ، ولو كان عليه أن يرسله ؛ لم يكن على من أرسله من يده قيمة .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية فيمن صاد صيدا وهو حلال أو حرام ، فأدخل الحلال صيده الحرم ، أو أحرم وهو معه ، ثم حل أو خرج من الحل ، أو حل الذي صاده ، وهو محرم والصيد معهما ، فأكلاه ؛ فعليهما جزاؤه . قال : وخالفني أشهب ، وقال : لا شيء عليهما . فحكى عن أشهب ألا شيء عليه إذا أكل منه بعد أن حل ، وهذا يرد على محمد أن ليس عليه أن يرسله إلا على وجه الاستحسان .

                                                                                                                                                                                        فحرم قتل الصيد لقول الله تعالى : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم [المائدة : 95] . والاصطياد بقوله تعالى : ليبلونكم الله بشيء من الصيد . . . الآية [المائدة : 94] ، وحرم استئناف ملكه وإن كان ملكا بحلال لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي أهدى له صيدا فرده عليه : "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم" . [ ص: 1311 ]

                                                                                                                                                                                        ولم يحرم ملكه إذا لم يكن معه ؛ لأنه أمر خارج عما ورد فيه القرآن ، فبقي على أصل الملك . وحرم إذا كان في يده لقوله - صلى الله عليه وسلم - في مكة : "لا ينفر صيدها" . فكذلك الصيد مع الحلال في الحرم يكون آمنا ، وإذا لم يجز أن ينفره ؛ لم يجز أن يبقى في يده .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية