الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في إرسال المحرم صيدا]

                                                                                                                                                                                        وإن أخذ المحرم صيدا في الحل ، وأرسله في الحرم في موضع يعيش فيه ؛ فلا شيء عليه . قال أشهب : وإن أخذ صيدا من الحرم ، فسرحه في الحل ، فإن كان مما ينجو بنفسه فلا شيء عليه ، وإن كان مما لا ينجو بنفسه فعليه الجزاء .

                                                                                                                                                                                        ومن رمى من الحل صيدا في الحرم فقتل لم يأكل ، وعليه الجزاء . واختلف إذا رمى من الحرم صيدا في الحل ، فقال مالك وابن القاسم : عليه الجزاء . وقال أشهب وابن الماجشون : لا جزاء عليه ، ويؤكل قال ابن القاسم : وكذلك ، إن رمى من الحل صيدا في الحل ، ومر السهم بالحرم ؛ لم يؤكل ، وعليه الجزاء . وقال أشهب : يؤكل ، ولا جزاء عليه . وكذلك ، إن أرسل كلبه ؛ فهو في هذا بمنزلة من أرسل سهمه ، ولا جزاء في جميع ذلك .

                                                                                                                                                                                        وأن يؤكل أحسن ؛ لأن المنع لما يكون من الصيد في الحرم ليس مما [ ص: 1324 ] يكون في الحل .

                                                                                                                                                                                        وإن أرسل كلبه على صيد في الحل ، فأتبعه حتى قتله في الحرم ؛ لم يؤكل . ولا جزاء عليه إن أرسله على بعد من الحرم ، وإن كان قريبا فعليه الجزاء . وكذلك إن أدخله الحرم ثم أخرجه فقتله ، فهو بمنزلة ما لو قتله في الحرم ؛ لأنه قد كان له الأمن لما دخل . ولم يؤكل بحال ، ويفترق الجواب في الجزاء . قال : إن أرسله عن قرب كان عليه الجزاء ، وإلا فلا . واختلف فيما قرب من الحرم ، هل له حكم الحرم ؟ فرأى مالك وابن القاسم القرب والبعد سواء . فإن أرسل قرب الحرم فأخذ فيه قبل أن يدخل الحرم- أكل ، ولا شيء عليه . وقيل : له حكم الحرم ؛ فلا يؤكل ، وعليه الجزاء . وإن أرسل على بعد من الحرم ؛ فأخذه بقرب الحرم ؛ لم يؤكل ، ولا جزاء عليه .

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن ، وإنما تتعلق الأحكام بالحرم ، فأما حلال في حل فلا .

                                                                                                                                                                                        ومن رمى صيدا من الحل والصيد في الحل ، ثم تحامل فمات في الحرم ، فإن أنفذت مقاتله في الحل أكل . واختلف إذا لم تنفذ مقاتله ، فقال أشهب في العتبية : يؤكل . وقال أصبغ في كتاب محمد : لا يؤكل ، ولا جزاء عليه . وقول أشهب أبين ؛ لأن موته كان من تلك الرمية بالحضرة فكانت مقتلا ، وليس بمنزلة من [ ص: 1325 ] ضرب رجلا فلم تنفذ مقاتله حتى قتله آخر . فإن الثاني يقتل به ؛ لأن الضرب من رجلين ، وهذه ضربة واحدة ، وهي التي قتلت . واختلف فيمن أرسل على ذئب في الحرم ، فأخذ صيدا ، فقال ابن القاسم : عليه الجزاء . وقال أشهب : لا جزاء عليه . وهذا أبين ، ولو لزم من أرسل على ذئب في الحرم الجزاء للزم المحرم إذا أرسل على ذئب في الحل ، فأخذ صيدا ؛ لأنه غرر أيضا على قوله . وإنما أرسل هذا على ما رأى ، والشأن أن الكلب إنما يأخذ ما أرسل عليه .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية