الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في سهمان الخيل ومن لا يسهم له منها

                                                                                                                                                                                        ويسهم للفارس سهم ولفرسه سهمان ؛ لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ، قال : جعل رسول الله للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما . اجتمع عليه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ ، وهذا لفظ البخاري .

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن معه فرسان : فقال ابن وهب : يسهم لهما . وذكر ابن القصار عن ابن الجهم : أنه أنكر القول أن يسهم لواحد منهما . وقال : رأيت من انتهى إلي قوله من الفقهاء وأهل الثغور والمجاهدين يقولون : يسهم لفرسين ، ولأن صاحب الفرس كالراجل ؛ لأنه لا تؤمن عليه الحوادث . يريد : أنه يتكلف مؤونة الثاني ، وإخراج الثمن فيه ، والنفقة عليه عدة لما يحدث بالآخر .

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن ؛ لأن القتال على واحد ، والموت وغيره من الطوارئ .

                                                                                                                                                                                        ولا يسهم لثلاث : ولا يسهم للبراذين إلا ما قارب منفعة الخيل ، ولا للبغال ولا للإبل ؛ لأن منفعتها غير مقاربة لمنفعة الخيل ، ولا يسهم لكسير ولا [ ص: 1418 ] حطيم ولا لهرم ولا لصغير لم يبلغ أن يركب .

                                                                                                                                                                                        واختلف في المريض والرهيص والصغير الذي لم يبلغ الركوب : فقال في المدونة : يسهم للمريض والرهيص .

                                                                                                                                                                                        وروى عنه أشهب وابن نافع : لا يسهم للمريض . وعلى هذا لا يسهم للرهيص ، وهو أحسن .

                                                                                                                                                                                        وإذا لم يسهم للبراذين لضعف منفعتها عن الخيل- كان أبين ألا يسهم للمريض إذا كان مرضه من قبل الإدراب ، وإن كان بعد أن قاتل عليه .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كان مرضه بعد الإدراب وقبل القتال قياسا على موته حينئذ ؛ لأن مرضه قطع الانتفاع به كموته . وهو أحسن ، وبه أخذ محمد بن عبد الحكم ، قال : بخلاف الرجل العليل ؛ لأن فيه المشورة إن كان فيه موضع المشورة . وعلى قوله إن لم يكن موضعا للمشورة- لا سهم له .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون في كتاب ابنه ، في الصغير لا يقاتل على مثله : هو راجل ، ولو كان فيه بعض القوة لذلك لأسهم له . [ ص: 1419 ]

                                                                                                                                                                                        ولا أرى أن يسهم له ؛ لأن منفعته أقل من منفعة البراذين .

                                                                                                                                                                                        وإن مات الفرس بعد القتال ثم وقع الفتح- أسهم له ، وإن مات بعد الإدراب وقبل القتال فلا شيء له على قول مالك وابن القاسم .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب وعبد الملك : بالإدراب استحق السهمان ، وإن مات .

                                                                                                                                                                                        وإن باعه أو أعاره أو غصب منه أو ضل عنه افترق الجواب : فإن قاتل عليه ، ثم باعه فقاتل عليه الثاني ففتح له كان سهمانه للأول .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون في كتاب ابنه : ولو قاتل عليه الثاني ، ثم باعه فقاتل عليه الثالث ففتح لهم كان سهمانه للأول ؛ لأنه قتال واحد ، كما لو مات الأول ، فقاتل عليه ورثته . قال : ولو كان قتالا مبتدأ بعد موته لكان للآخر السهمان أيضا .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا باعه الأول بعد الإدراب الثاني وقبل القتال ، ثم قاتل عليه الثاني : هل يكون سهمانه للأول أو للثاني ؟

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أعاره قبل القتال : فقال مالك في كتاب محمد : سهمانه للمعار . وقاله ابن القاسم مرة . وقال أيضا للمعير .

                                                                                                                                                                                        وكأنه فرق بينه وبين لو ضل ، ويحتمل أن يكون ذلك لأنه يقول : يضرب له بسهمانه بالإدراب . أو يقول : إنه يستحق سهمانه إذا كان موجودا قائما ولم يقاتل عليه ، فلا يسقط ذلك قتال غيره عليه . [ ص: 1420 ]

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن ؛ لأنه إنما يستحق سهمانه وإن كان قائما ؛ لأنه عدة إن رأى القتال عليه فعل ، فإذا أسلمه لغيره لم يكن له شيء ، ويصير بمنزلة لو باعه قبل أن يقاتل عليه . ولو أعاره بعد أن قاتل عليه كان السهمان لصاحبه ؛ لأنه استحق ذلك قبل العارية .

                                                                                                                                                                                        واختلف عن ابن القاسم إذا غصب منه قبل أن يقاتل عليه : فقال في كتاب محمد : السهمان لصاحبه . وقال أيضا : للمتعدي . وهذا يرجع إلى الخلاف في الضال : فعلى القول : إن لصاحبه سهمانه وإن ضل- يكون سهمان المغصوب لصاحبه ؛ لأنه يقول : لو ذهب مني لكان سهمانه لي ؛ فلا يضرني قتالك عليه . ولا يصح أن يكون له سهمان أيضا ؛ لأنه لا يضرب لفرس واحد بأربعة أسهم .

                                                                                                                                                                                        ومن لم يجعل له سهمانا إذا ضل جعل سهمانه ها هنا للغاصب ، وعليه إجارة المثل إلا على من قال فيمن غصب دارا فأغلقها ، أو عبدا فأوقفه : أنه يغرم لصاحبه ما حرمه من غلاته- فيجعل السهمان لصاحبه ؛ لأنه بالغصب حرمه ذلك .

                                                                                                                                                                                        ولو كان معه فرسان غصبه أحدهما ؛ كان سهمان المغصوب للغاصب ، وعليه لصاحبه إجارة المثل . ولو غصب فرسا من أرض الإسلام كان سهمانه للغاصب ، ولصاحبه إجارة المثل . ولو غنم المسلمون خيلا ، فغصب رجل منهما [ ص: 1421 ] فرسا فقاتل عليه- كان سهمانه للغاصب .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : وعليه إجارة المثل . وقال مالك : إذا كانوا في سفن فلقوا العدو فغنموا ؛ يضرب للخيل التي معهم في السفن . والقياس ألا يضرب لها ؛ لأنها لم تستعد للبحر ، ولم تبلغ الموضع الذي يصح القتال بها فيه .

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم : إذا خرجت سرية من عسكر ، وخلفوا خيلهم فغنموا ؛ يضرب لخيولهم سهمانهم . [ ص: 1422 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية