الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن حلف بصدقة ماله أو بعضه

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن تصدق بجميع ماله أو بعضه أو عين شيئا منه أو عين جميعه على ثلاثة أقوال: فقال مالك : إن لم يعين، وقال: مالي أو جميعه; أجزأه الثلث، وإن قال: نصف مالي أو ثلاثة أرباعه; أخرج جميع ما سمى .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : وكذلك إن قال: مالي إلا درهم; أخرج جميع ذلك .

                                                                                                                                                                                        قال مالك : وإن عين، فقال: عبدي أو داري، وذلك جميع ماله أو نصفه أو ثلاثة أرباعه; أخرج جميع ما سمى .

                                                                                                                                                                                        وذكر عنه ابن وهب في النوادر، فيمن لم يعين، وسمى أكثر من الثلث; اقتصر على الثلث .

                                                                                                                                                                                        وذكر ابن الجلاب عنه في المعين إذا كان أكثر من الثلث روايتين; إحداهما: ألا يلزمه أكثر من الثلث، والأخرى: أنه يلزمه ما عين وإن كان أكثر من الثلثين .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون في جميع ذلك عين أو لم يعين: يخرج ما لا يضر به إخراجه. وهذا أحسن; لقوله: "لا صدقة إلا عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول" . [ ص: 1670 ]

                                                                                                                                                                                        أخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                                                                                                                        فإن كان جميع ماله لا فضل فيه لم يكن عليه شيء وإن كان الفضل نصف ماله أو ثلاثة أرباعه أو تسعة أعشاره أخرج جميع ذلك الفضل لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوفاء بالنذر ولقوله: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" فدخل في ذلك الصدقة وغيرها. وقال أبو طلحة: إن أحب أموالي بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها، فقال: "اجعلها في أقاربك وبني عمك. . ." الحديث . فأمضى جميع صدقته ; لأنه أبقى ما فيه كفاية. وأما على قول كعب بن مالك : إن من توبتي أن أنخلع من مالي، فقال: "يجزيك من ذلك الثلث" . فإنه يحتمل أن يكون كعب أراد أن يفعل ولم يوجب.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: عبدي ومالي; أخرج جميع العبد وثلث الباقي، وعلى القول الآخر يخرج ثلث العبد وثلث الباقي. [ ص: 1671 ]

                                                                                                                                                                                        وإن حلف بصدقة ماله، فلم يحنث حتى حلف بصدقة ماله أيضا فحنث، فقال مالك : يجزئه الثلث . أو حلف بثلث ماله، فلم يحنث حتى حلف بثلث ماله، فحنث في اليمينين جميعا -أجزأه- على قول مالك الأول- ثلث واحد; لأن جميع المال في حين اليمين الثانية في السؤالين جميعا على ملكه، وإنما كرر اليمين بشيء واحد.

                                                                                                                                                                                        وإن حلف بثلث ماله فحنث، ثم حلف بثلث ماله; أخرج ثلث الجميع عن اليمين الأولى، ثم ثلث الباقي عن اليمين الثانية.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا حلف بصدقة ماله فحنث، ثم حلف بصدقة ماله فحنث، فقال ابن كنانة : يجزئه ثلث واحد .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب : يخرج ثلث جميع ماله ، ثم ثلث الباقي .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : وهو القياس.

                                                                                                                                                                                        وقال فيمن قال: مالي هدي، فإنه يخرج ثلث ماله، وتكون النفقة وكل شيء منه . وإن قال: ثلث مالي هدي فعليه أن يبلغه، ولا يبيع منه شيئا . يريد: إن النفقة عليه من غير الثلث. [ ص: 1672 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية فيمن قال: مالي هدي : يهدي ثلث ماله، والنفقة عليه من غير الثلث .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية