الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في زواج المرأة بولاية الإسلام]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا تزوجت المرأة بولاية الإسلام مع وجود ولاية النسب على خمسة أقوال: فذكر القاضي أبو محمد عبد الوهاب عن مالك أنه قال: النكاح [ ص: 1788 ] ماض بالعقد .

                                                                                                                                                                                        وقال في "الكتاب": الولي بالخيار بين أن يمضيه أو يرده . وبه قال ابن القاسم . وروي عنه: أنه وقف في إجازته إذا أجازه الولي . وقال غير ابن القاسم : يفسخ وإن أجازه الولي .

                                                                                                                                                                                        وقال إسماعيل القاضي: يشبه على مذهب مالك أن يصير الدخول فوتا. وقال سحنون في "السليمانية": يفسخ أبدا. يريد: وإن تطاول وولدت الأولاد.

                                                                                                                                                                                        وجميع هذا الاختلاف راجع إلى ثلاثة أقوال: هل تقدمة ولاية النسب على ولاية الإسلام من باب أولى، أو ذلك حق لآدمي ، أو حق لله سبحانه؟

                                                                                                                                                                                        فعلى ما ذكره أبو محمد عبد الوهاب ، ولي النسب مقدم من باب أولى، فأمضاه له، ومرة رآه حقا له، فيقوم بحقه في ذلك، فيفسخه أو يسقط حقه فيمضي النكاح، وهو في هذين القولين بمنزلة الوليين: أحدهما أقرب من الآخر.

                                                                                                                                                                                        ورأى مرة أن ذلك حق لله سبحانه، فإن عقد على غير ذلك كان فاسدا، [ ص: 1789 ] وترجحت عنده الدلائل مرة : هل ذلك حق له، أو حق لله سبحانه؟ فوقف عند إجازة الولي إياه.

                                                                                                                                                                                        واختلف عنه في المرأة الدنيئة ليست ذات منصب، والمعتقة، فرأى مرة أن كل الناس لها ولي، ورأى مرة أن ولايتها تختص بمن له نسب مثل غيرها ممن له قدر، وإن كانت المرأة من الموالي وهي ذات شرف كانت بمنزلة غيرها ممن له المنصب من غير الموالي. فقال في "الكتاب" في امرأة من الموالي ذات شرف تزوجت رجلا من قريش ذا شرف ودين ومال، واستخلفت رجلا فزوجها، قال: للولي فسخه إن شاء. فجعل للولي فسخه، وإن كانت لم تضع نفسها في دناءة .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: لم يختلف المذهب أن ولاية الإسلام في النكاح ولاية صحيحة تطالب بها المرأة عند عدم ولاية النسب. فيصح النكاح بوجوده ويفسد بعدمه إذا باشرت العقد بنفسها ولم تستخلف رجلا.

                                                                                                                                                                                        ولم يختلف المذهب أيضا أن لولي النسب أن يمنع وليته من أن تضع نفسها فيمن تدركه منه معرة أو مضرة، وأن ليس لها أن تزوج نفسها من غير مطالعته; لما يتعلق له في ذلك من الحق من هذا الوجه، وإذا كان ذلك بطل أن يقال: إنه نكاح انعقد بغير ولاية، فكان الصحيح: أنه نكاح صحيح انعقد بولاية [ ص: 1790 ] وفيه حق لولي آخر، ومما يؤكد ذلك تفرقة مالك على المشهور من قوله بين الدنيئة وغيرها، فثبت بهذا أن ذلك في ذات المنصب من حق الولي لا لحق الله سبحانه، فإن وضعت نفسها فيما يدركه منه ضرر كان له فسخه، وإن دخل بها، وإن وضعت نفسها في كفاية ومن هو كفؤ لمثلها مضى نكاحها ، ولو مكن من فسخه لم يجعل ذلك له بعد الدخول.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية