الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في تصديق البينة للزوجة]

                                                                                                                                                                                        وإن شهدت البينة للزوجة بمائتين، وقال الرسول: على ذلك وكلني. وقال الزوج: مائة. ولا بينة له، حلف الزوج، وكانت بالخيار بين أن ترضى بالمائة أو تفارق، فإن نكل لزمته المائتان. هذا فيما بينه وبين الزوجة; لأن يمينه لها يمين [ ص: 1836 ] تهمة لا ترجع.

                                                                                                                                                                                        ويختلف: هل له أن يحلف الرسول؟ فقال أصبغ : يحلف الرسول، فإن نكل غرم المائة الثانية . وقال محمد : لا يمين عليه; لأنه لو أقر أنه تعدى أو افتأت عليه في الزائد ما كان على الرسول; لأنه لا بد أن يحلف فيبرأ من كل شيء. فإن رضي ونكل ألزم نفسه كل شيء مما على الرسول، قال: ولو كنت ألزم الرسول فنكل لكان له أن يرد اليمين على الزوج فقد نكل من أول .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما يمينه قبل الدخول فإنما يحلف أنه ما أمر بمائتين لا غير. ويختلف في صفة يمينه بعد الدخول: فقال ابن القاسم في "كتاب محمد ": يحلف أنه ما أمره إلا بمائة، ولا علم بما افتأت عليه إلا بعد الدخول. فعلى هذا يصح أن يقال: لا يضر الرسول إقراره بالتعدي لما كان على الزوج أن يحلف أنه لم يعلم قبل الدخول .

                                                                                                                                                                                        وإذا نكل سقط المقال عن الرسول; لأن يمين الزوج يمين تهمة فلا ترجع، ويصح أن يقال: لا يحلف أنه ما علم; لأنها يمين تهمة، ولا علم عند الزوجة من علمه ولا تدعي أنها بلغها ذلك عنه.

                                                                                                                                                                                        ولو اعترف الرسول بالتعدي قبل الدخول لغرم المائة الزائدة; لأن الزوج يقول: أنت أوجبت علي يمينا تعديا منك، واليمين مما يشق على الناس فعليك غرم ما أدخلتني فيه. [ ص: 1837 ]

                                                                                                                                                                                        وإذا أنكر الرسول قبل الدخول غرم الزوج لأجل نكوله ورجع المقال بينه وبين الرسول- لم يكن على الرسول يمين، كما قال محمد ; لأنه يقول للزوج: أنت إنما بدأت باليمين للزوجة، وإذا صار المقال بيني وبينك كنت أنا المبدي أني لم أتعد، فإن نكلت رددت عليك اليمين، فإن نكلت لم يكن لك علي شيء وأنت قد نكلت.

                                                                                                                                                                                        ويصح قول أصبغ على أحد قولي ابن القاسم ، إذا أمره مالك أن يشتري له بدنانير فقال الآمر: قمحا، وقال المأمور: تمرا. فقال ابن القاسم وغيره في "كتاب محمد ": القول قول الآمر: أنه تعدى عليه ويغرمه . ولمالك في "المبسوط" في هذا الأصل مثل ذلك وقد مضى بسط ذلك في "كتاب الوكالات".

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية