الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في أحوال المكاتب والخصي]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك : في المكاتب: لا بأس أن يرى شعر رأس سيدته إن كان وغدا، وكذلك العبد، وإن كان لها فيه شرك لم ير شعرها وإن كان وغدا . وقال محمد بن عبد الحكم : لا يرى شعر سيدته وإن كان وغدا، ولا يخلو معها في بيت.

                                                                                                                                                                                        واختلف في عبد زوجها وعبد الأجنبي هل يدخل عليها ويرى شعرها؟ واختلف أيضا في العبد الخصي. قال مالك : لا بأس أن يرى الخصي الوغد شعر سيدته وغيرها، وإن كانت له منظرة فلا أحبه، وأما الحر فلا، وإن كان وغدا .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في "العتبية": لا بأس أن يدخل على المرأة خصيها، وأرجو أن يكون خصي زوجها خفيفا، وأكره خصيان غيره . وقال أيضا: لا بأس [ ص: 1876 ] بالخصي والعبد أن يدخل على النساء، ويرى شعورهن إن لم تكن له منظرة، فأما الحر فلا. فجعل الخصي في القول الأول كغيره ممن لم يخص فمنعه إلا أن يكون ملكا لها ولا منظرة له، وأباحه في القول الأول إذا كان لزوجها وإن لم يكن وغدا، ثم أجازه وإن كان لأجنبي. وأجاز دخول الخصي عليهن وإن كان حرا. والأصل في دخول عبد المرأة عليها قول الله -عز وجل-: ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن [النور: 31] ثم قال: أو ما ملكت أيمانهن [النور: 31] ، وفي دخول عبد الزوج قوله سبحانه: ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات . . . [النور: 58]: فتضمنت كون ملك اليمين ذكرانا لقوله سبحانه: الذين ملكت أيمانكم [النور: 58] ، ولو كن إماء لقال: اللاتي ملكت أيمانكم ، وكونه ملكا للأزواج لقوله: أيمانكم ، وهذا خطاب للمذكر، وهم الأزواج، ويصح دخول ملك الزوجة، وقد قيل في قوله -عز وجل-: أو ما ملكت أيمانهن أن ذلك في الإماء ليس في الذكران، ذكره ابن سلام في "كتاب التفسير". والأول أحسن للآية الأخرى في قوله: الذين ملكت أيمانكم . وقد كان يدخل على عائشة - رضي الله عنها - المكاتب حتى يقضي كتابته، ولو كان دخول العبد ممنوعا; ما أجازت ذلك، وهي أعلم بذلك.

                                                                                                                                                                                        وأما تفرقة مالك بين الوغد وغيره فحماية، وأما قول ابن عبد الحكم فيحتمل أن يكون حمل الآية على الإماء، أو لأن الحال عنده فسد; فنقل الحكم. والصواب اليوم المنع فيمن لا زوج لها، وإن كان لها زوج فلا بأس في حين [ ص: 1877 ] حضوره، ويمنع عبد الأجنبي جملة; لأنه لا فرق فيما يخشى منه بين الحر والعبد وإنما أبيح عبدها وعبد زوجها; لأن الضرورة تدعو إلى تصرفه عليهم ودخوله إليهم.

                                                                                                                                                                                        وأما الخصي فإن كان يريد الذاهب الخصيين فهو بمنزلة السالم، وأما الممسوح فهو داخل في عموم قوله -عز وجل-: غير أولي الإربة [النور: 31]. فقد قيل: هو الخصي، والخنثى، والشيخ الهرم. وفي الصحيحين: أن مخنثا كان يدخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لعبد الله بن أبي أمية : يا عبد الله إن فتح الله الطائف عليكم غدا، فأنا أدلك على ابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سمع ذلك: "لا يدخل هؤلاء عليكن" . فلم ينكر دخوله قبل أن يسمع ذلك منه، وإن كان حرا.

                                                                                                                                                                                        ومحمل النهي بعد ما سمع منه على الكراهية; لأنه لم يسمع منه ما يدل على أنه أراد ذلك لنفسه، وإنما كره دخوله بالكلام في مثل ذلك.

                                                                                                                                                                                        وكرهه مالك إذا كان حرا لما لم يكن ضرورة تدعو إلى ذلك وليس بالبين; لأنه أباح الخصي وإن لم يكن لها، وليس مما تدعوها إليه ضرورة، ودخول الخصي الحر أخف من دخول العبد الفحل. [ ص: 1878 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية