ثم انتشرت الفتوح والمغازي في خلافة عمر بن الخطاب ، ففي خلافته فتحت الشام كلها ، ومصر ، والعراق ، وبعض خراسان .
ثم فتحت بعض المغرب وتمام خراسان وقبرص وغيرها في خلافة عثمان .
ثم لما قتل كان المسلمون مشتغلين بالفتنة ، فلم يتفرغوا لقتال الكفار وفتح بلادهم ، بل استطال بعض الكفار عليهم حتى احتاجوا إلى مداراتهم ، وبذلوا لبعضهم مالا . ولما اجتمعوا فتحوا في خلافة معاوية ما كان قد بقي من أرض الشام وغيرها . وكان معاوية أول الملوك . وكانت [ولايته] ولاية ملك ورحمة .
فلما ذهبت إمارة معاوية كثرت الفتن بين الأمة ، ومات سنة ستين ، وكان قد مات قبله عائشة والحسن وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وزيد بن ثابت وغيرهم من أعيان الصحابة ، ثم بعده مات ابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وغيرهم من علماء الصحابة .
فحدث بعد الصحابة من البدع والفتن ما ظهر به مصداق ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وكان المسلمون لما كانوا مجتمعين في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان لم يكن لأهل البدع والفجور ظهور ، فلما قتل عثمان وتفرق الناس ظهر أهل البدع والفجور ، وحينئذ ظهرت الخوارج ، فكفروا علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ومن والاهما حتى قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب طاعة لله ورسوله وجهادا في سبيله . [ ص: 157 ]
واتفق الصحابة على قتالهم ، لم يختلفوا في ذلك كما اختلفوا في الجمل وصفين . وقد صح الحديث فيهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال الإمام أحمد بن حنبل من عشرة أوجه . وقد رواها مسلم في صحيحه ، وروى البخاري حديثهم من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وحدثت أيضا الشيعة ، منهم من يفضل عليا على أبي بكر وعمر ، ومنهم من يعتقد أنه كان إماما معصوما نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على خلافته ، وأن الخلفاء والمسلمين ظلموه ، وغاليتهم يعتقدون أنه إله أو نبي ، والغالية كفار باتفاق المسلمين ، فمن اعتقد في نبي من الأنبياء كالمسيح أنه إله ، أو في أحد من الصحابة كعلي بن أبي طالب ، أو في أحد من المشايخ كالشيخ عدي أنه إله ، أو جعل فيه شيئا من خصائص الإلهية فإنه كافر يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل .
وقد عاقب علي بن أبي طالب طوائف الشيعة الثلاثة فإنه حرق الغالية الذين اعتقدوا إلهيته بالنار ، وطلب قتل ابن سبإ لما بلغه أنه يسب أبا بكر وعمر فهرب منه . وروي عنه أنه قال : لا أؤتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري . وقد تواتر عنه أنه قال : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر . ولهذا كان [ ص: 158 ] أصحابه الشيعة متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر عليه .
ثم في أواخر عصر الصحابة حدثت المرجئة والقدرية ، ثم في أواخر عصر التابعين حدثت الجهمية ، فإنما ظهرت البدع والفتن لما خفيت آثار الصحابة . فإنهم خير قرون هذه الأمة وأفضلها ، رضي الله عنهم وأرضاهم .
والحمد لله وحده ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .
(بلغ مقابلة على الأصل ، ولله الحمد) .


