ونظير هذا من مسائل العبادات البدنية الصلاة ، فإن المأموم يجب عليه متابعة الإمام  فيما يسوغ فيه الاجتهاد وإن كان المأموم لا يراه ، كما لو قنت الإمام في الفجر ، أو زاد في تكبير الجنازة إلى سبع . لكن لو أخل في الصلاة بركن أو شرط في مذهب المأموم دون مذهبه فهذه فيها الخلاف . وهو يشبه إجزاء إخراج الزكاة من بعض الوجوه ، لكن إن كان الإمام لا يطلب منه الزكاة وإنما هو بذلها له ،  [ ص: 389 ] فقبضها الإمام باجتهاده ، فهذا نظير صلاته خلفه; وإن كان الإمام يطلب منه الزكاة بحيث يجب طاعته ، فهذا نظير أن يصلي خلفه ما لا يمكنه فعله خلف غيره ، كالجمعة والعيدين ونحوهما . ولهذا إذا قلنا : لا تصح الصلاة خلف الفاسق ، فإنه يجب فعل هذه الصلوات خلفه ، وفي الإعادة روايتان . فالأمر بفعل الصلاة خلفه وبالإعادة يشبه الأمر بإيتاء الزكاة وبالإعادة . 
ومع هذا فمذهب أهل السنة المأثور عن الصحابة أنه يجزئ دفع الزكاة إلى الإمام الذي يجور في قسمها  ، فإجزاؤها مع أخذها بالاجتهاد أولى ، وإن كان رب المال لا يجزئه صرفها في غير المصارف ، لكن المأثور عن الصحابة الأمر بدفع الزكاة إليهم وبالصلاة خلفهم . 
والمفسدة في الزكاة أشد ، فإذا ساغ ذلك فهذا أسوغ . 
والسلف لم يأمروا من صلى خلفهم بإعادة ، ولا من دفع الزكاة إليهم بإعادة ، ولهذا قال  أحمد  في رسالته في "السنة" : إن من أعاد الجمعة فهو مبتدع . لكن المسألتان واحدة ، فالمتفق عليه حجة على المختلف فيه ، وتخرج في صورة الوفاق ما في صورة النزاع ، فإن طائفة من السلف ذهبوا إلى أنه لا يدفع إليهم الزكاة ،  كعبيد بن عمير  وغيره ، وكان  عمر بن الخطاب  هو أمير المؤمنين رضي الله عنه ، الذي انتشرت الرعية في زمنه ، وكثرت الأموال ، وعدل فيها صادقا بارا راشدا تابعا للحق ، فوضع الخراج على ما فتحه عنوة ،  [ ص: 390 ] كأرض السواد ونحوها ، ووضع ديوان العطاء للمقاتلة وللذرية ، وكان  عثمان بن حنيف  على الخراج ،  وزيد بن ثابت   -فيما أظن- على ديوان العطاء . وما زالت هذه التسمية معروفة : "ديوان الخراج" وهو المستخرج من الأموال السلطانية; و"ديوان العطاء" كديوان الجيش وديوان النفقات ونحو ذلك . 
ولولاة الأمور من الملوك ودولهم في ذلك عادات واصطلاحات ، بعضها مشروع ، وبعضها مجتهد فيه ، وبعضها محرم ، كما للقضاة والعلماء والمشايخ ، منهم من هو من أهل العلم والعدل كأهل السنة ، فيتبعون النص تارة والاجتهاد أخرى; ومنهم أهل جهل وظلم كأهل البدع المشهورة من ذوي المقالات والعبادات ، وذوي الجهل والجور من القضاة والولاة . 
وكانت سيرة  أبي بكر   وعمر  رضي الله عنهما في غاية الاستقامة والسداد ، بحيث لم يمكن الخوارج  أن يطعنوا فيهما فضلا عن أهل السنة . وأما  عثمان   وعلي  رضي الله عنهما فهما من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، وسيرتهما سيرة العلم والعدل والهدى والرشاد والصدق والبر ، لكن فيهما نوع مجتهد فيه ، والمجتهد فيما اجتهد فيه إن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر ، وخطؤه مغفور له ، فاجتهاد الخلفاء أعظم وأعظم . 
وأما  عثمان  فحصل منه اجتهاد في بعض قسم المال والتخصيص به ، وفي بعض العقوبات هو فيها رضي الله عنه مجتهد ، والعلماء منهم من يرى رأيه ، ومنهم من لا يراه .  وعلي  رضي الله عنه حصل  [ ص: 391 ] منه اجتهاد في محاربة أهل القبلة ، والعلماء منهم من يرى رأيه ، ومنهم من لا يراه . وبكل حال فإمامتهما ثابتة ، ومنزلتهما من الأمة منزلتهما ، لكن أهل البدع الخوارج  الذين خرجوا على  عثمان  وعلى  علي  جعلوا آراءهم وأهواءهم حاكمة على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخلفاء الراشدين ، فاستحلوا بذلك الفتنة وسفك الدماء وغير ذلك من المنكرات . 
				
						
						
