فصل [في اختلاف العلماء في حياة الخضر  وموته]  
وقد زعم قوم أن الخضر  حي إلى الآن ، واحتجوا بأحاديث لا تثبت ، وحكايات عن أقوام سليمي الصدور ، ويقول أحدهم: لقيت الخضر .  
فأما الأحاديث: 
فمنها ما يروى عن أهل الكتاب: أن الخضر  كان مع ذي القرنين ،  وأنه سبق إلى العين التي قصدها ذو القرنين  لما وصف له أن من شرب منها خلد في الدنيا ، فشرب منها فأعطي الخلد لذلك . 
ومنها ما أخبرنا به علي بن أبي عمر الدباس ،  قال: أخبرنا علي بن الحسين بن أيوب ،  قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان ،  قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد المزكي ،  قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خريم ،  قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن زيد ،  قال: حدثنا  عمرو بن عاصم ،  قال: حدثنا الحسن بن رزين ،  عن  ابن جريج ،  عن عطاء ،  عن  ابن عباس ،  قال: لا أعلمه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال:  "يلتقي الخضر  وإلياس  في كل عام في الموسم ، فيحلق كل منهما على رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: "بسم الله ، ما شاء الله ، لا يسوق الخير إلا الله ، بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله" . 
ومنها ما روي عن  الحسن البصري ،  أنه ، قال: وكل إلياس  بالفيافي ، ووكل  [ ص: 362 ] الخضر  بالبحور ، وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى ، وأنهما يجتمعان في كل موسم في كل عام . 
ومنها ما أخبرنا به إسحاق بن إبراهيم الختلي ،  قال: حدثني عثمان بن سعيد الأنطاكي  قال: حدثنا علي بن الهيثم المصيصي ،  عن عبد الحميد بن بحر ،  عن سلام الطويل ،  عن داود بن يحيى مولى عون الطفاوي ،  عن رجل كان مرابطا في بيت المقدس  وبعسقلان ،  قال: 
بينا أنا أسير في وادي الأردن  إذا أنا برجل في ناحية الوادي قائم يصلي ، فإذا سحابة تظله من الشمس فوقع في قلبي أنه إلياس  النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتيته فسلمت عليه ، فانفتل من صلاته فرد علي السلام ، فقلت: من أنت رحمك الله؟ فلم يرد علي شيئا ، فأعدت القول مرتين ، فقال: أنا إلياس  النبي ، فأخذتني رعدة شديدة خشيت على عقلي أن يذهب ، فقلت له: إن رأيت رحمك الله أن تدعو لي أن يذهب عني ما أجد حتى أفهم حديثك ، فدعا لي بثمان دعوات ، فقال: يا بر يا رحيم ، يا حي يا قيوم ، يا حنان يا منان ، . . . ، فذهب عني ما كنت أجد ، فقلت: إلى من بعثت؟ قال: إلى أهل بعلبك ، قلت: فهل يوحى إليك اليوم ، فقال: منذ بعث محمد  صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلا . 
قلت: فكم من الأنبياء في الحياة؟ قال: أربعة أنا والخضر  في الأرض ، وإدريس  وعيسى  في السماء ، قلت: فهل تلتقي أنت والخضر؟  قال: نعم في كل عام بعرفات ، قلت: فما حديثكما؟ قال: يأخذ من شعري وآخذ من شعره ، قلت: فكم الأبدال؟ قال: هم ستون رجلا ، خمسون ما بين عريش مصر  إلى شاطئ الفرات ،  ورجلان بالمصيصة ، ورجلان بأنطاكية ،  وسبعة في سائر الأمصار ، تسقون بهم الغيث ، وبهم ينصرون على عدوهم ، وبهم يقيم الله أمر الدنيا حتى إذا أراد أن يهلك الدنيا أماتهم جميعا . 
وقد روي أنه كان في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم ، ورووا من حديث  علي  عن النبي صلى الله عليه وسلم إثبات حياة الخضر .  
ومن حديث  أنس ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى الخضر ،  وقال: ادع لرسول الله . وإن  أبا بكر ،   وعمر ،   وعثمان ،   وعليا ،   وابن عمر  أثبتوا وجوده ، وأنه رآه  عمر بن عبد العزيز .  ورواه مسلمة ،  ورباح بن عبيدة  كلاهما عن  عمر بن عبد العزيز .  
 [ ص: 363 ] 
قالوا: ورآه إبراهيم التيمي ،  وإبراهيم بن أدهم ،   وأحمد بن حنبل .  
وكل هذه الأحاديث لا تثبت ، والحديث الذي ذكرناه عن  ابن عباس  فيه الحسن بن زيد ،  قال العقيلي:  هو مجهول . 
وفي الحديث الثاني السلام بن الطويل ،  قال يحيى:  ليس بشيء . وقال  البخاري  والرازي ،   والنسائي ،   والدارقطني:  هو متروك الحديث . 
وقال  ابن حبان:  يروي الموضوعات كأنه المعتمد لها . 
قال: وعبد الحميد بن بحر  لا يحل الاحتجاج به بحال ، وداود  مجهول ، والرجل المرابط لا يدرى من هو . 
وقد روى مسلمة بن مصقلة ،  أنه رأى إلياس  وجرى له معه نحو ما سبق . 
وربما ظهر الشيطان لشخص فكلمه ، وربما قال بعض المتهمين لبعض أنا الخضر ،  وأعجب الأشياء أن يصدق القائل أنا الخضر  وليس لنا فيه علامة نعرفه بها ، وقد جمعت كتابا سميته «عجالة المنتظر بشرح حال الخضر»  وذكرت فيه هذه الأحاديث والحكايات ونظائرها ، وبينت خطأها ، فلم أر الإطالة بذلك هاهنا . 
قال  أبو الحسين بن المنادي   -ونقلته من خطه- عن تعمير الخضر  وهل هو باق في الدنيا أم لا: فإذا أكثر المغفلين مغرورون بأنه باق من أجل ما قد روي ، وساق بعض ما قد ذكرنا ، ثم قال: أما حديث  أنس  فواه بالوضاع ، وأما خبر  ابن عباس  فضعيف بالحسن بن رزين ،  وأما قول الحسين  فمأخوذ عن غير أهل ملتنا مربوط بقول بعضهم: إن الخضر  شرب من العين التي قصدها ذو القرنين ،  موصول بما قيل: إنه الرجل الذي يقتله الدجال ، والمسند من ذلك إلى أهل الذمة فساقط لعدم ثقتهم . 
وخبر مسلمة فكلا شيء ، وخبر رياح كالرياح ، ثم مد الله على السري وضمرة عفى الله عنهما . 
وأين كان الخضر  عن تبشير  أبي بكر   وعمر  رضي الله عنهما بالخلافة . 
وهذه الأخبار واهية الصدور والأعجاز ، لا تخلو في حالها من أحد أمرين: إما  [ ص: 364 ] أن تكون أدخلت من حديث بعض الرواة المتأخرين استغفالا ، وإما أن يكون القوم عرفوا حالها فرووها على وجه التعجب ، فنسبت إليهم على سبيل التحقيق . 
قال: والتخليد لا يكون لبشر لقول الله عز وجل لنبيه محمد  صلى الله عليه وسلم: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون   [21: 34] . 
وأهل الحديث يتفقون على أن حديث  أنس  منكر الإسناد ، سقيم المتن ، بين فيه أثر الصنعة ، وأن الخضر  لم يراسل نبينا ولم يلقه ولم يكن ممن عرض عليه ليلة الإسراء ، ولم يدركه ذكر في عهده بالبقاء ، ولو أنه كان في عدد الأحياء حينئذ لما وسعه التخلف عن لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والهجرة إليه . 
قال: وما أعجب إغراء أهل الضعف بذكر الخضر  وإلياس!  والمعني منهم بذلك المنتسبون إلى رؤية الأبدال ومشاهدة الآيات . 
قال: وقد أخبرني بعض أصحابنا أن إبراهيم الحربي ابن إسحاق  سئل عن تعمير الخضر  فأنكر ذلك ، وقال: هو متقادم الموت . 
قال: وروجع غيره في تعميره ، وأن طائفة من أهل زماننا يرونه ويروون عنه ، فقال: من أحال على غائب حي أو مفقود ميت لم ينتصف منه ، وما ألقى ذكر هذا بين الناس إلا الشيطان . 
قال: فإن قيل: هذا هامة بن الهيم  وزريب بن برثملا  معمران ، قيل: ومن صحح لهما وجادة حتى يكون لهما تعمير؟! ولو أنهما معروفان لكان سبيلهما في التخليد سبيل سائر البشر ، بل هذان حديثان دسا إلى مغفلين فرووهما بلا تفقد ولا تمييز . 
فإن قيل: هذا هاروت وماروت وإبليس باقون إلى يوم القيامة . 
قيل: ليس هؤلاء بشرا ، ولو كانوا بشرا لما نص القرآن على تخليدهم ، ولما أنكر ذلك مؤمن . وتخليد إبليس ثابت بقوله: فإنك من المنظرين  إلى يوم الوقت المعلوم   [15: 37 - 38] . 
 [ ص: 365 ] 
وتخليد الملكين بقوله: وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة   [2: 102] وهذا لا يكون إلا على مستقبل الأيام . 
قال: وجاء في التفسير أنهما مصلوبان منكسان في بئر ببابل؛ لأنهما اختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة فأعطيا ما سألا . 
فأما بقاء الدجال الأعور  فليس ذلك بالطويل؛ لأنه ولد بالمدينة  في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يحيا إلى نزول المسيح عيسى  فيقتله . 
قال: فقد صح لما بينا أن الخضر  عبد من عباد الله نصب لموسى  لأمر أراده الله ، وقد مضى لسبيله ، فليعرف ذلك ، وإن سمع من جاهل خلاف ذلك فلا يمارين؛ لأن المراء في ذلك نقص ، زادنا الله وإياكم فهما . 
هذا آخر كلام  أبي الحسين المنادي ،  ومن خطه نقلته . 
وقد روى أبو بكر النقاش:  أن  محمد بن إسماعيل البخاري  سئل عن الخضر  وإلياس  هل هما في الأحياء؟ فقال: كيف يكون ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:  "لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد" .  
				
						
						
