المسألة الثالثة : قوله : { والذين يكنزون الذهب والفضة    } : الكنز في اللغة هو المال المجموع ، كان فوق الأرض أو تحتها ، يقال : كنزه يكنزه إذا جمعه ، فأما في الشرع ، وهي : المسألة الرابعة : فنحن لا نقول : إن الشرع غير اللغة ، وإنما نقول : إنه تصرف فيها تصرفها في نفسها بتخصيص بعض مسمياتها ، وقصر بعض متناولاتها للأسماء ، كالقارورة والدابة في بعض العقار والدواب . وقد اختلف فيه على سبعة أقوال : 
الأول : أنه المجموع من المال على كل حال . 
الثاني : أنه المجموع من النقدين . 
الثالث : أنه المجموع منهما ما لم يكن حليا . 
الرابع : أنه المجموع منهما دفينا .  [ ص: 487 ] 
الخامس : أنه المجموع منهما لم تؤد زكاته . 
السادس : أنه المجموع منهما لم تؤد منه الحقوق . 
السابع : أنه المجموع منهما ما لم ينفق ويهلك في ذات الله . 
وجه القول الأول ما روى  ابن هرمز  عن  أبي هريرة  قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط منها حقها ، تطؤه بأظلافها . وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط منها حقها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها . قال : ومن حقها أن تحلب على الماء ، وليأتين أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار ، فيقول : يا محمد    . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد بلغت . ويأتي ببعير يحمله على رقبته له رغاء فيقول : يا محمد    . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد بلغت   } . 
وفي رواية : حتى ذكر الإبل فقال : { وحقها إطراق فحلها ، وإفقار ظهرها ، وحلبها يوم وردها   } . 
وهذا محتمل لكل جامع في كل موطن بكل حال . 
ووجه القول الثاني : أن الكنز إنما يستعمل لغة في النقدين ، وإنما يعرف [ تحريم ] ضبط غيره بالقياس عليه . 
ووجه القول الثالث : أن الحلي مأذون في اتخاذه ولا حق فيه ، ويأتي بيانه إن شاء الله . 
ووجه القول الرابع وهو الدفين ما روى  مالك بن أوس بن الحدثان  عن  أبي ذر  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { في الإبل صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي التمر صدقته ، و من دفن دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة لا يدفعها بعدها لغريم ، ولا ينفقها في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة   } . 
ووجه القول الخامس ما روى  البخاري  وغيره عن  ابن عمر  أن أعرابيا قال له :  [ ص: 488 ] أخبرني عن قول الله : { والذين يكنزون الذهب والفضة    } . قال  ابن عمر    : من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له ، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما أنزلت جعلها الله طهرة للأموال . 
ووجه القول السادس قوله في حديثها : { ومن حقها حلبها يوم وردها ، وإطراق فحلها   } . 
ووجه القول السابع أن الحقوق أكثر من الأموال ، والمساكين لا تستقل بهم الزكاة ، وربما حبست عنهم ، فكنز المال دون ذلك ذنب . 
المسألة الخامسة : اختلفت الصحابة في المراد بهذه الآية ; فذهب  معاوية  إلى أن المراد بها أهل الكتاب    . 
وخالفه  أبو ذر  وغيره ، فقال : المراد بها أهل الكتاب  والمسلمون روى  البخاري  وغيره ، عن  زيد بن وهب  قال : مررت بالربذة  ، فإذا أنا  بأبي ذر  ، فقلت له : ما أنزلك منزلك هذا ؟ قال : كنت بالشام  ، فاختلفت أنا  ومعاوية  في : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله     } فقال  معاوية    : نزلت في أهل الكتاب    . فقلت : نزلت فينا وفيهم ، وكان بيني وبينه [ ريبة ] في ذلك . فكتب إلى  عثمان  يشكوني ، فكتب إلي  عثمان  أن أقدم المدينة    . فقدمتها ، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرت ذلك  لعثمان    . وفي رواية قال : حتى آذوني . فقال لي  عثمان    : إن شئت تنحيت فكنت قريبا ، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ، ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت . 
وهذا يدل على أن الكفار عند الصحابة يخاطبون بفروع الشريعة . 
وذهب  عمر  إلى أنها منسوخة ; نسختها : { خذ من أموالهم صدقة    } ; قال  عراك بن مالك    : ولا شك في أنها منسوخة . 
 [ ص: 489 ] المسألة السادسة : في تنقيح الأقوال ، وجلاء الحق : وذلك ينحصر في ثلاثة مدارك : المدرك الأول : أن الكل من فقهاء الأمصار اتفقوا على أنه ليس في المال حق سوى الزكاة  ، وقد بيناه . 
وإذا لم يكن في المال حق سواها وقضيت بقي المال مطهرا ، كما قال  عمر    . 
المدرك الثاني : أن الآية عامة في أهل الكتاب  وغيرهم ، وقد أكد الله ذلك بقوله : { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة    } . 
المدرك الثالث : تخليص الحق من هذين الأصلين ، فنقول : أما الكنز فهو مال مجموع ، لكن ليس كل مال دين لله تعالى فيه حق ، ولا حق لله سوى الزكاة ; فإخراجها يخرج المال عن وصف الكنزية ، ثم إن الكنز لا يكون إلا في الدنانير والدراهم أو تبرها ، وهذا معلوم لغة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					