ومنها قوله : { فأنزل الله سكينته عليه } : فيه قولان : أحدهما : على النبي .
الثاني : على أبي بكر .
قال علماؤنا : وهو الأقوى ; لأن الصديق خاف على النبي صلى الله عليه وسلم من القوم ، فأنزل الله سكينته ; ليأمن على النبي صلى الله عليه وسلم فسكن جأشه ، وذهب روعه ، وحصل له الأمن ، وأنبت الله شجر ثمامه ، وألهم الوكر هنالك حمامه ، وأرسل العنكبوت فنسجت عليه بيتا ، فما أضعف هذه الجنود في ظاهر الحس ; وما أقواها في باطن المعنى .
ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لعمر حين تغامر مع أبي بكر الصديق : { هل أنتم تاركو لي صاحبي ، إن الناس كلهم قالوا كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت } .
ومنها : أنه جعل أبا بكر في مقابلة الصحابة أجمع ، فقال : { إلا تنصروه فقد نصره الله بصاحبه في الغار ، بتأنيسه له ، وحمله على عنقه } [ ووفائه له ] بوقايته له [ بنفسه ] ، وبمواساته بماله ، وكذلك روي { أن ميزانا نزل من السماء ، فوزن النبي [ ص: 514 ] صلى الله عليه وسلم بالخلق فرجحهم } ; وبهذه الفضائل استحق أن يقال فيه : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا .
وسبقت له بذلك كله الفضيلة على الناس .
روى البخاري وغيره عن عبد الله بن عمر أنه قال : كنا نخير بين الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان .
وروي عن مالك أنه قال : خير الناس بعد نبيهم أبو بكر . وسيأتي في سورة النور بيان ذلك مستوفى إن شاء الله .


