المسألة الثامنة : فأما سبب اختلاف القراء بعد ربط الأمر بالثبات وضبط القرآن بالتقييد    . 
قلنا : إنما كان ذلك للتوسعة التي أذن الله فيها ، ورحم بها من قراءة القرآن على سبعة أحرف ، فأقرأ النبي صلى الله عليه وسلم بها ، وأخذ كل صاحب من أصحابه حرفا أو جملة منها . 
وقد بيناه في تفسير الحديث تارة في جزء مفرد ، وتارة في شرح الصحيحين ، ولا شك في أن الاختلاف في القراءة كان أكثر مما في ألسنة الناس اليوم ، ولكن الصحابة ضبطت الأمر إلى حد يقيد مكتوبا ، وخرج ما بعده عن أن يكون معلوما  [ ص: 613 ] حتى أن ما تحتمله الحروف المقيدة في القرآن قد خرج أكثره عن أن يكون معلوما ، وقد انحصر الأمر إلى ما نقله القراء السبعة بالأمصار الخمسة . 
وقد روي أن عثمان  أرسل ثلاثة مصاحف ، وروي أنه احتبس مصحفا ، وأرسل إلى الشام  والعراق  واليمن  ثلاثة مصاحف ، وروي أنه أرسل أربعة إلى الشام  والحجاز  والكوفة  والبصرة    . 
وروي أنه كانت سبعة مصاحف ، فبعث مصحفا إلى مكة  ، وإلى الكوفة  آخر ، ومصحفا إلى البصرة  ، ومصحفا إلى الشام  ، ومصحفا إلى اليمن  ، ومصحفا إلى البحرين  ، ومصحفا عنده . 
فأما مصحف اليمن  والبحرين  فلم يسمع لهما خبر . 
قال القاضي    : وهذه المصاحف إنما كانت تذكرة لئلا يضيع القرآن ، فأما القراءة فإنما أخذت بالرواية لا من المصاحف ، أما إنهم كانوا إذا اختلفوا رجعوا إليها فما كان فيها عولوا عليه ، ولذلك اختلفت المصاحف بالزيادة والنقصان ، فإن الصحابة أثبتت ذلك في بعض المصاحف ، وأسقطته في البعض ، ليحفظ القرآن على الأمة ، وتجتمع أشتات الرواية ، ويتبين وجه الرخصة والتوسعة ، فانتهت الزيادة والنقصان إلى أربعين حرفا في هذه المصاحف ، وقد زيدت عليها أحرف يسيرة لم يقرأ بها أحد من القراء المشهورين تركت ; فهذا منتهى الحاضر من القول الذي يحتمله الفن الذي تصدينا له من الأحكام . 
				
						
						
