[ ص: 150 ] المسألة السابعة : 
قوله : { إلى حين    } : واختلف فيه ، فقيل : إلى أن يفنى كل واحد منهما بالاستعمال . وقيل : إلى حين الموت . واختلف الفقهاء بحسب اختلاف التأويل ، فقال  مالك   وأبو حنيفة    : إن الموت لا يؤثر في تحريم الصوف والوبر ، والشعر    ; لأنه لا يلحقها إذ الموت عبارة عن معنى يحل بعد عدم الحياة ، ولم تكن الحياة في الصوف والوبر والشعر فيخلفها الموت فيها . وقال  الشافعي    : إن ذلك كله يحرم بالموت ; لأنه جزء من أجزاء الميتة . وقد قال تعالى : { حرمت عليكم الميتة    } وذلك عبارة عن الجملة ، وإن كان الموت يحل ببعضها . والجواب عن قوله هذا أن الميتة وإن كان اسما ينطلق على الجملة فإنه إنما يرجع بالحقيقة إلى ما فيه حياة ، فنحن على الحقيقة لا نعدل عنها إلى سواها . 
وقد تعلق إمام الحرمين   من أصحابهم بأن الموت وإن كان لا يحل الصوف والوبر والشعر ، ولكن الأحكام المتعلقة بالجثة تتعدى إلى هذه الأجزاء من الحل والحرمة والأرش ، وتتبعها في حكم الإحرام ، وغير ذلك من الأحكام ، فكذلك الطهارة والتنجيس . 
وتحريره أن نقول : حكم من أحكام الشريعة متعلق بالأجزاء من الجملة ، أصله سائر الأحكام المذكورة ، وهذا لا تعويل عليه ; فإنا بينا أن الحقيقة معنا ، وأما الأحكام فهي متعارضة ، فلئن شهد له ما ذكر من الأحكام على اتباع هذه الأجزاء للجملة فليشهدن لنا بانفصال هذه الأجزاء عن الجملة الحكم الأكبر ، وهي إبانتها عن الجثة في حالة الحياة وإزالتها منها ، وهو دليل يعضدنا ظاهرا وباطنا ، فلو كانت هذه  [ ص: 151 ] الأجزاء تابعة في الجملة لتنجست بإبانتها عنها ، كأجزاء الأعضاء ; وإذا تعارضت الأحكام وجب الترجيح بالحقيقة ، على أن هذه الأحكام التي تعلقوا بها لا حجة فيها ; أما الحل والحرمة فإنما يتعلقان باللذة ، وهي في الشعر كما تكون في البدن . 
وأما الإحرام فإنه يتعلق بإلقاء التفث ، وإذهاب الزينة ، والشعر من ذلك الوصف . 
وأما الأرش فإنه يتعلق بإبطال الجمال تارة وإبطال المنفعة أخرى ، والجمال والمنفعة معا موجودان في الشعر أو أحدهما ، بخلاف الطهارة والتنجيس ، فإنه حكم يترتب على الحياة والموت ، وليس للصوف ولا للوبر ولا للشعر مدخل بحال . 
وقد عول الشيخ أبو إسحاق  إمام الشافعية ببغداد  على أن الشعر والصوف والوبر جزء متصل بالحيوان اتصال خلقة ، ينمى بنمائه ، فينجس بموته ، كسائر الأجزاء . وأجاب عن ذلك علماؤنا بأن النماء ليس بدليل على الحياة ; فإن النبات ينمى وليس بحي ، وإذا عولوا على النماء المتصل بالحيوان عولنا على الإبانة التي تدل على عدم الإحساس الذي يدل على عدم الحياة ، وقد استوفينا القول فيها في مسائل الخلاف ، وأشرنا إليه فيما تقدم وبمجموع هذه الأقوال يتحصل العلم لكم ، ويخلص من الأشكال عندكم . 
				
						
						
