المسألة السادسة :
لما وصف الله الماء بأنه طهور ، وامتن بإنزاله من السماء ليطهرنا به دل على اختصاصه بذلك ، وكذلك قال لأسماء بنت الصديق في دم الحيض يصيب الثوب : { حتيه ثم اقرصيه ، ثم اغسليه بالماء } ، فلذلك لم يلحق غير الماء بالماء لوجهين : أحدهما : ما في ذلك من إبطال فائدة الامتنان .
والثاني : لأن غير الماء ليس بمطهر ، بدليل أنه لا يرفع الحدث والجنابة ، فلا يزيل النجس .
وقال بعض علمائنا ، وأهل العراق : إن كل مائع طاهر يزيل النجاسة ، وهذا غلط ; لأن ما لا يدفع النجاسة عن نفسه فكيف يدفعها عن غيره . [ ص: 442 ]
وقد روى ابن نافع عن مالك أن النجاسة القليلة إذا وقعت في الزيت الكثير لم ينجس إذا لم يتغير .
وهذه رواية ضعيفة لا يلتفت إليها " لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح { سئل عن فأرة سقطت في سمن ، فقال : إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوه } .
وفي رواية : { وإن كان مائعا فأريقوه } .
وقوله : { إن كان جامدا فألقوها وما حولها } دليل على أنها تفسد المائع ; لأنه عموم سئل عنه ، فخص أحد صنفيه بالجواز ، وبقي الآخر على المنع . وليس هذا بدليل الخطاب ، حسبما بيناه في أصول الفقه .
وهذه نكتة بديعة تفهمونها ، فهي خير لكم من كتاب ، وليست النجاسة معنى محسوسا ، حتى يقال : كلما أزالها فقد قام به الفرض ، وإنما النجاسة حكم شرعي عين له صاحب الشريعة الماء ، فلا يلحق به غيره ، إذ ليس في معناه ، ولأنه لو لحق به لأسقطه ، والفرع إذا عاد إلحاقه بالأصل بالإسقاط سقط في نفسه . وقد كان تاج السنة ذو العز بن المرتضى الدبوسي يسميه فرخ زنا .


