المسألة الحادية والعشرون : 
هذا دليل على أن الأب يزوج ابنته البكر من غير استئمار ; قال  مالك    . واحتج بهذه الآية ; وهو ظاهر قوي في الباب . 
وقال به  الشافعي  ، وكثير من العلماء . 
وقال  أبو حنيفة    : إذا بلغت الصغيرة فلا يزوجها أحد إلا برضاها ; لأنها بلغت حد التكليف ; فأما إذا كانت صغيرة فإنه يزوجها بغير رضاها ; لأنه لا إذن لها ، ولا رضاء ، بغير خلاف . 
والحديث الصحيح : { الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر في نفسها  ، وإذنها صماتها   } وفي رواية : { الأيم واليتيمة تستأمر في نفسها   } . 
فقوله : " الثيب أحق بنفسها " دليل قوي في الباب ; لأنه جعل العلة في كون المرأة أحق بنفسها كونها أيما ; وذلك لاختيارها مقاصد في النكاح . وقد حققنا ذلك في مسائل الخلاف ، وتكلمنا على هذا الحديث بكل فائدة ولطيفة . 
واحتجاج  مالك  بهذه الآية يدل على أنه كان يعول على الإسرائليات ، وفيها أنهما كانتا بكرين ، وبينا ذلك في شرح الموطأ ومسائل الخلاف . وربما ظن بعضهم أنه بناء على أن الأصل في البنات ترك النكاح ، حتى يثبت أنهن متزوجات . وليس كذلك ، فإن الظاهر من النساء النكاح ، ومتى اجتمع أصل وظاهر وهي مسألة أصولية وقد بيناها في كتب الأصول . وكذلك يقال : إن أباها لما  [ ص: 507 ] قال : إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين ، فأشار إليهما ، كان هذا أكثر من الاستئمار أو مثله ; فإن الكلام مع الإشارة إليها بضمير الحاضر إسماع لها . 
وإنما يخرج من الآية مسألة ، وهي الاكتفاء بصمت البكر ، وهو في حديث محمد  صلى الله عليه وسلم ظاهر ، وفي شريعة الإسلام أبين منه في شرع موسى  ، وبهذه الاحتمالات يتبين لك وجه استخراج الأحكام ، وما يعرض على الأدلة من الشبه ، فيقابل كل فن بما يصلح له ، ويرجح الأظهر ويقضى به . 
				
						
						
