الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            1592 - ( وعن خالد بن عدي الجهني قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { من بلغه معروف عن أخيه عن غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه } رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            1593 - ( وعن ابن عمر قال : سمعت { عمر يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطني العطاء فأقول : أعطه من هو أفقر إليه مني ، فقال : خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ، وما لا فلا تتبعه نفسك } متفق عليه ) .

                                                                                                                                            [ ص: 194 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 194 ] حديث خالد بن عدي أخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني في الكبير . قال في مجمع الزوائد : ورجال أحمد رجال الصحيح قوله : ( ولا إشراف نفس ) الإشراف بالمعجمة : التعرض للشيء والحرص عليه من قولهم : أشرف على كذا إذا تطاول له ، وقيل : للمكان المرتفع مشرف لذلك . قال أبو داود : سألت أحمد عن إشراف النفس فقال : بالقلب . وقال يعقوب بن محمد : سألت أحمد عنه فقال : هو أن يقول مع نفسه يبعث إلي فلان بكذا

                                                                                                                                            وقال الأثرم : يضيق عليه أن يرده إذا كان كذلك قوله : ( يعطيني ) سيأتي ما يدل على أن عطية النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بسبب العمالة كما في حديث ابن السعدي ، ولهذا قال الطحاوي : ليس معنى هذا الحديث في الصدقات ، وإنما هو الأموال ، وليست هي من جهة الفقر ، ولكن شيء من الحقوق ، فلما قال عمر : أعطه من هو أفقر إليه مني لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر . قال : ويؤيده قوله في رواية شعيب " خذه فتموله " فدل على أنه ليس من الصدقات

                                                                                                                                            واختلف العلماء فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أم يندب على ثلاثة مذاهب حكاه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بعد إجماعهم على أنه مندوب . قال النووي : الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه مستحب في غير عطية السلطان ، وأما عطية السلطان - يعني الجائر - فحرمها قوم وأباحها آخرون وكرهها قوم ، والصحيح أنه إن غلب الحرام فهما في يد السلطان حرمت ، وكذا إن أعطى من لا يستحق ، وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في القلب مانع يمنعه من استحقاق الأخذ . وقالت طائفة : الأخذ واجب من السلطان وغيره . وقال آخرون : هو مندوب في عطية السلطان دون غيره

                                                                                                                                            وحديث خالد بن عدي يرده . قال الحافظ : ويؤيده حديث سمرة في السنن إلا أن يسأل ذا سلطان . قال : والتحقيق في المسألة أن من علم كون ماله حلالا فلا ترد عطيته ، ومن علم كون ماله حراما فتحرم عطيته ، ومن شك فيه فالاحتياط رده وهو الورع . ومن أباحه أخذ بالأصل انتهى . قال ابن المنذر : واحتج من رخص بأن الله تعالى قال في اليهود : { سماعون للكذب أكالون للسحت } وقد رهن الشارع صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي مع علمه بذلك . وكذا أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير والمعاملات الفاسدة . قال الحافظ : وفي حديث الباب أن للإمام أن يعطي بعض رعيته إذا رأى لذلك وجها وإن كان غيره أحوج إليه منه ، وأن رد عطية الإمام ليس من الأدب ولا سيما من الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه } . قوله : ( من هو أفقر إليه مني ) ظاهره أن عمر لم يكن غنيا لأن صيغة أفعل تدل على الاشتراك في الأصل وهو الافتقار إلى المال ، ولكن ظاهر أمره صلى الله عليه وسلم له بالأخذ إذا لم يكن مستشرفا ولا سائلا له لا فرق بين كونه غنيا أو فقيرا ، وهكذا [ ص: 195 ] في قبول المال من غير السلطان لا فرق فيه بين الغني والفقير على ظاهر حديث خالد بن عدي ، وسيكرر المصنف حديث خالد بن عدي هذا في كتاب الهبة ، ونذكر بقية الكلام عليه هنالك إن شاء الله تعالى




                                                                                                                                            الخدمات العلمية