الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            2526 - ( وعن عمرو بن خارجة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على ناقته وأنا تحت جرانها وهي تقصع بجرتها ، وإن لغامها يسيل بين كتفي فسمعته يقول : إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث } رواه الخمسة إلا أبا داود وصححه الترمذي ) .

                                                                                                                                            2527 - ( وعن أبي أمامة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم : يقول { إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث } رواه الخمسة إلا النسائي ) .

                                                                                                                                            2528 - ( وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة } ) .

                                                                                                                                            2529 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة } رواهما الدارقطني )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عمرو بن خارجة أخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي وحديث أبي أمامة حسنه الترمذي والحافظ ، وفي إسناده إسماعيل بن عياش ، وقد قوى حديثه إذ روى عن الشاميين جماعة من الأئمة منهم أحمد والبخاري ، وهذا من روايته عن الشاميين لأنه رواه عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة ، وصرح في روايته بالتحديث وحديث ابن عباس حسنه في التلخيص ، وقال في الفتح : رجاله ثقات لكنه معلول ، فقد قيل : إن عطاء الذي رواه عن ابن عباس هو الخراساني وهو لم يسمع من ابن عباس وأخرج نحوه البخاري من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس موقوفا قال الحافظ : إلا أنه في تفسير وإخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن فيكون في حكم المرفوع وأخرجه [ ص: 50 ] أيضا أبو داود في المراسيل عن مرسل عطاء الخراساني ، ووصله يونس بن راشد عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال الحافظ : والمعروف المرسل وحديث عمرو بن شعيب قال في التلخيص : إسناده واه وفي الباب عن أنس عند ابن ماجه وعن جابر عند الدارقطني وصوب إرساله ، وعن علي عنده أيضا وإسناده ضعيف ، وهو عند ابن أبي شيبة ، وعن مجاهد مرسلا عند الشافعي قال في الفتح : ولا يخلو إسناد كل منهما من مقال ، لكن مجموعهما يقتضي أن للحديث أصلا ، بل جنح الشافعي في الأم إلى أن هذا المتن متواتر فقال : وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح : { لا وصية لوارث } ويأثرونه عمن حفظوه فيه ممن لقوه من أهل العلم ، فكان نقل كافة عن كافة فهو أقوى من نقل واحد

                                                                                                                                            وقد نازع الفخر الرازي في كون هذا الحديث متواترا ، قال : وعلى تقدير تسليم ذلك فالمشهور من مذهب الشافعي أن القرآن لا ينسخ بالسنة قال الحافظ : لكن الحجة في هذا إجماع العلماء على مقتضاه كما صرح به الشافعي وغيره قال : والمراد بعدم صحة وصية الوارث عدم اللزوم ، لأن الأكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة وقيل : إنها لا تصح الوصية لوارث أصلا وهو الظاهر ، لأن النفي إما أن يتوجه إلى الذات ، والمراد لا وصية شرعية ، وإما إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة ، ولا يصح أن يتوجه ههنا إلى الكمال الذي هو أبعد المجازين

                                                                                                                                            وحديث ابن عباس المذكور وإن دل على صحة الوصية لبعض الورثة مع رضا البعض الآخر فهو لا يدل على أن النفي غير متوجه إلى الصحة بل هو متوجه إليها ، وإذا رضي الوارث كانت صحيحة كما هو شأن بناء العام على الخاص ، وهكذا حديث عمرو بن شعيب وحكى صاحب البحر عن الهادي والناصر وأبي طالب وأبي العباس أنها تجوز الوصية للوارث واستدلوا بقوله تعالى : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } قالوا : ونسخ الوجوب لا يستلزم نسخ الجواز

                                                                                                                                            وأجاب الجمهور عن ذلك بأن الجواز أيضا منسوخ ، كما صرح بذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب وقد اختلف في تعيين ناسخ آية الوصية للوالدين والأقربين ، فقيل : آية الفرائض ، وقيل : الأحاديث المذكورة في الباب وقيل : دل الإجماع على ذلك وإن لم يتعين دليله ، هكذا في الفتح وقد قيل : إن الآية مخصوصة لأن الأقربين أعم من أن يكونوا وارثين أم لا ؟ فكانت الوصية واجبة لجميعهم ، وخص منها الوارث بآية الفرائض وبأحاديث الباب ، وبقي حق من لا يرث من الأقربين من الوصية على حاله ، قاله طاوس وغيره

                                                                                                                                            قوله : ( وأنا تحت جرانها ) بكسر الجيم قال في القاموس : جران البعير بالكسر مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره قوله : [ ص: 51 ] وهي تقصع بجرتها ) الجرة بكسر الجيم وتشديد الراء قال في القاموس : الجرة بالكسر : هيئة الجر وما يفيض به البعير فيأكله ثانية ، وقد اجتر وأجر ، واللقمة يتعلل بها البعير إلى وقت علفه ، والقصع : البلع قال في القاموس : قصع كمنع : ابتلع جرع الماء ، والناقة بجرتها : ردتها إلى جوفها أو مضغتها ، أو هو بعد الدسع وقبل المضغ ، أو هو أن تملأ بها فاها ، أو شدة المضغ ا هـ

                                                                                                                                            قوله : ( وإن لغامها ) بضم اللام بعدها غين معجمة وبعد الألف ميم : هو اللعاب . قال في القاموس : لغم الجمل كمنع رمى بلعابه لزبده . قال : والملاغم : ما حول الفم قوله : ( إلا أن يشاء الورثة ) في ذلك رد على المزني وداود والسبكي حيث قالوا : إنها لا تصح الوصية بما زاد على الثلث ولو أجاز الورثة واحتجوا بالأحاديث الآتية في الباب الذي بعد هذا ولكن في هذا الحديث وحديث عمرو بن شعيب المذكور بعده زيادة يتعين القول بها قال الحافظ : إن صحت هذه الزيادة فهي حجة واضحة

                                                                                                                                            واحتجوا من جهة المعنى بأن المنع إنما كان في الأصل لحق الورثة فإذا أجازوه لم يمتنع واختلفوا بعد ذلك في وقت الإجازة ، فالجمهور على أنهم إن أجازوا في حياة الموصي كان لهم الرجوع متى شاءوا ، وإن أجازوا بعد نفذ وفصل المالكية في الحياة بين مرض الموت وغيره ، فألحقوا مرض الموت بما بعده ، واستثنى بعضهم ما إذا كان المجيز في عائلة الموصي وخشي من امتناعه انقطاع معروفه عنه لو عاش فإن لمثل هذا الرجوع وقال الزهري وربيعة : ليس لهم الرجوع مطلقا ، واتفقوا على اعتبار كون الموصى له وارثا يوم الموت ، حتى لو أوصى لأخيه الوارث حيث لا يكون للموصي ابن ثم ولد له ابن قبل موته صحت الوصية للأخ المذكور ; ولو أوصى لأخيه وله ابن فمات الابن قبل موت الموصي فهي وصية لوارث




                                                                                                                                            الخدمات العلمية