قوله تعالى لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم   فيه مسألتان : 
الأولى : قوله تعالى : لولا كتاب من الله سبق  في أنه لا يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون . واختلف الناس في كتاب الله السابق على أقوال ، أصحها ما سبق من إحلال الغنائم ، فإنها كانت محرمة على من قبلنا . فلما كان يوم بدر  ، أسرع الناس إلى الغنائم فأنزل الله عز وجل لولا كتاب من الله سبق  أي بتحليل الغنائم . وروى  أبو داود الطيالسي  في مسنده : حدثنا سلام  عن الأعمش  عن أبي صالح  عن  أبي هريرة  قال : لما كان يوم بدر  تعجل الناس إلى الغنائم فأصابوها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الغنيمة لا تحل لأحد سود الرءوس غيركم   . فكان النبي وأصحابه إذا غنموا الغنيمة جمعوها ونزلت نار من السماء فأكلتها فأنزل الله تعالى : لولا كتاب من الله سبق  إلى آخر الآيتين . وأخرجه الترمذي  وقال : حديث حسن صحيح ، وقال مجاهد  والحسن    . وعنهما أيضا  وسعيد بن جبير    : الكتاب السابق هو مغفرة الله لأهل بدر  ، ما تقدم أو تأخر من ذنوبهم . وقالت فرقة : الكتاب السابق هو عفو الله عنهم في هذا الذنب ، معينا . والعموم أصح ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر في أهل بدر    : وما يدريك لعل الله   [ ص: 407 ] اطلع على أهل بدر  فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم   . خرجه مسلم    . وقيل : الكتاب السابق هو ألا يعذبهم ومحمد  عليه السلام فيهم . وقيل : الكتاب السابق هو ألا يعذب أحدا بذنب أتاه جاهلا حتى يتقدم إليه . وقالت فرقة : الكتاب السابق هو مما قضى الله من محو الصغائر باجتناب الكبائر . وذهب الطبري  إلى أن هذه المعاني كلها داخلة تحت اللفظ وأنه يعمها ، ونكب عن تخصيص معنى دون معنى . 
الثانية :  ابن العربي    : وفي الآية دليل على أن العبد إذا اقتحم ما يعتقده حراما مما هو في علم الله حلال له  لا عقوبة عليه ، كالصائم إذا قال : هذا يوم نوبي فأفطر الآن . أو تقول المرأة : هذا يوم حيضتي فأفطر ، ففعلا ذلك ، وكان النوب والحيض الموجبان للفطر ، ففي المشهور من المذهب فيه الكفارة ، وبه قال  الشافعي    . وقال أبو حنيفة    : لا كفارة عليه ، وهي الرواية الأخرى . وجه الرواية الأولى أن طرو الإباحة لا يثبت عذرا في عقوبة التحريم عند الهتك ، كما لو وطئ امرأة ثم نكحها . وجه الرواية الثانية أن حرمة اليوم ساقطة عند الله عز وجل فصادف الهتك محلا لا حرمة له في علم الله ، فكان بمنزلة ما لو قصد وطء امرأة قد زفت إليه وهو يعتقدها أنها ليست بزوجته فإذا هي زوجته . وهذا أصح . والتعليل الأول لا يلزم ، لأن علم الله سبحانه وتعالى مع علمنا قد استوى في مسألة التحريم ، وفي مسألتنا اختلف فيها علمنا وعلم الله فكان المعول على علم الله . كما قال : لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					