قوله تعالى : أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين    . 
فيه أربع مسائل : الأولى : أولئك يؤتون أجرهم مرتين  ثبت في صحيح مسلم  عن أبي موسى  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب  آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران ، وعبد مملوك أدى حق الله عز وجل وحق سيده فله أجران ، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران قال الشعبي  للخراساني    : خذا هذا الحديث بغير شيء فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة  وخرجه  البخاري  أيضا . قال علماؤنا : لما كان كل واحد   [ ص: 273 ] من هؤلاء مخاطبا بأمرين من جهتين استحق كل واحد منهم أجرين ، فالكتابي كان مخاطبا من جهة نبيه ، ثم إنه خوطب من جهة نبينا فأجابه واتبعه فله أجر الملتين ، وكذلك العبد هو مأمور من جهة الله تعالى ومن جهة سيده ، ورب الأمة لما قام بما خوطب به من تربيته أمته وأدبها فقد أحياها إحياء التربية ، ثم إنه لما أعتقها وتزوجها أحياها إحياء الحرية التي ألحقها فيه بمنصبه ، فقد قام بما أمر فيها ، فأجر كل واحد منهم أجرين . ثم إن كل واحد من الأجرين مضاعف في نفسه ، الحسنة بعشر أمثالها فتتضاعف الأجور ، ولذلك قيل : إن العبد الذي يقوم بحق سيده وحق الله تعالى أفضل من الحر ، وهو الذي ارتضاهأبو عمر بن عبد البر  وغيره وفي الصحيح عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : للعبد المملوك المصلح أجران والذي نفس  أبي هريرة  بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك قال  سعيد بن المسيب    : وبلغنا أن  أبا هريرة  لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها   . وفي الصحيح أيضا عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعما للمملوك أن يتوفى يحسن عبادة الله وصحابة سيده نعما له   . 
الثانية : قوله تعالى : بما صبروا  عام في صبرهم على ملتهم ، ثم على هذه وعلى الأذى الذي يلقونه من الكفار وغير ذلك . 
الثالثة : قوله تعالى : ويدرءون بالحسنة السيئة  أي يدفعون ، درأت : إذا دفعت ، والدرء : الدفع وفي الحديث : ادرءوا الحدود بالشبهات قيل : يدفعون بالاحتمال والكلام الحسن الأذى . وقيل : يدفعون بالتوبة والاستغفار الذنوب ; وعلى الأول فهو وصف لمكارم الأخلاق ; أي من قال لهم سوءا لاينوه وقابلوه من القول الحسن بما يدفعه ، فهذه آية مهادنة ، وهي من صدر الإسلام ، وهي مما نسختها آية السيف وبقي حكمها فيما دون الكفر يتعاطاه أمة محمد  صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ومنه قوله عليه السلام لمعاذ    : وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق   [ ص: 274 ] الناس بخلق حسن ومن الخلق الحسن دفع المكروه والأذى ، والصبر على الجفا بالإعراض عنه ولين الحديث    . 
الرابعة : قوله تعالى : ومما رزقناهم ينفقون  أثنى عليهم بأنهم ينفقون  من أموالهم في الطاعات وفي رسم الشرع ، وفي ذلك حض على الصدقات  وقد يكون الإنفاق من الأبدان بالصوم والصلاة ، ثم مدحهم أيضا على إعراضهم عن اللغو ; كما قال تعالى : وإذا مروا باللغو مروا كراما  أي إذا سمعوا ما قال لهم المشركون من الأذى والشتم أعرضوا عنه ; أي لم يشتغلوا به وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم  أي متاركة ; مثل قوله : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما  أي لنا ديننا ولكم دينكم ( سلام عليكم ) أي أمنا لكم منا فإنا لا نحاربكم ، ولا نسابكم ، وليس من التحية في شيء . قال الزجاج    : وهذا قبل الأمر بالقتال . لا نبتغي الجاهلين أي لا نطلبهم للجدال والمراجعة والمشاتمة . 
				
						
						
