قوله تعالى : فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور    . 
قوله تعالى : فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا   لما بطروا وطغوا وسئموا الراحة ولم يصبروا على العافية تمنوا طول الأسفار والكدح في المعيشة ; كقول بني إسرائيل : فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها  الآية . وكالنضر بن الحارث  حين قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء  فأجابه الله تبارك وتعالى ، وقتل يوم بدر  بالسيف صبرا ; فكذلك هؤلاء تبددوا في الدنيا ومزقوا كل ممزق ، وجعل بينهم وبين الشام  فلوات ومفاوز يركبون فيها الرواحل ويتزودون الأزواد . وقراءة العامة ( ربنا ) بالنصب على أنه نداء مضاف ، وهو منصوب لأنه مفعول به ؛ لأن معناه : ناديت ودعوت . ( باعد ) سألوا   [ ص: 262 ] المباعدة في أسفارهم . وقرأ ابن كثير  وأبو عمرو  وابن محيصن  وهشام  عن ابن عامر    : ( ربنا ) كذلك على الدعاء ( بعد ) من التبعيد . النحاس    : وباعد وبعد واحد في المعنى ، كما تقول : قارب وقرب . وقرأ أبو صالح   ومحمد ابن الحنفية   وأبو العالية   ونصر بن عاصم  ويعقوب  ، ويروى عن ابن عباس    : ( ربنا ) رفعا ( باعد ) بفتح العين والدال على الخبر ، تقديره : لقد باعد ربنا بين أسفارنا ، كأن الله تعالى يقول : قربنا لهم أسفارهم فقالوا أشرا وبطرا : لقد بوعدت علينا أسفارنا . واختار هذه القراءة أبو حاتم  قال : لأنهم ما طلبوا التبعيد إنما طلبوا أقرب من ذلك القرب بطرا وعجبا مع كفرهم . وقراءة  يحيى بن يعمر  وعيسى بن عمر  وتروى عن ابن عباس    ( ربنا بعد بين أسفارنا ) بشد العين من غير ألف ، وفسرها ابن عباس  قال : شكوا أن ربهم باعد بين أسفارهم . وقراءة  سعيد بن أبي الحسن أخي الحسن البصري    ( ربنا بعد بين أسفارنا . ) ربنا نداء مضاف ، ثم أخبروا بعد ذلك فقالوا : ( بعد بين أسفارنا ) ورفع ( بين ) بالفعل ، أي ، بعد ما يتصل بأسفارنا . وروى الفراء  وأبو إسحاق  قراءة سادسة مثل التي قبلها في ضم العين إلا أنك تنصب ( بين ) على ظرف ، وتقديره في العربية : بعد سيرنا بين أسفارنا . النحاس    : وهذه القراءات إذا اختلفت معانيها لم يجز أن يقال إحداها أجود من الأخرى ، كما لا يقال ذلك في أخبار الآحاد إذا اختلفت معانيها ، ولكن خبر عنهم أنهم دعوا ربهم أن يبعد بين أسفارهم بطرا وأشرا ، وخبر عنهم أنهم لما فعل ذلك بهم خبروا به وشكوا ، كما قال ابن عباس    . 
وظلموا أنفسهم  أي بكفرهم فجعلناهم أحاديث  أي يتحدث بأخبارهم ، وتقديره في العربية : ذوي أحاديث . ومزقناهم كل ممزق  أي لما لحقهم ما لحقهم تفرقوا وتمزقوا . قال الشعبي    : فلحقت الأنصار  بيثرب  ، وغسان  بالشام  ، والأسد  بعمان  ، وخزاعة  بتهامة  ، وكانت العرب تضرب بهم المثل فتقول : تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ ، أي مذاهب سبأ وطرقها . إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور  الصبار الذي يصبر عن المعاصي ، وهو تكثير صابر يمدح بهذا الاسم . فإن أردت أنه صبر عن المعصية لم يستعمل فيه إلا صبار عن كذا . شكور لنعمه ; وقد مضى هذا المعنى في ( البقرة ) . 
				
						
						
