فيه أربع مسائل : 
الأولى : قوله تعالى : إنا نحن نحيي الموتى   أخبرنا تعالى بإحيائه الموتى ردا على الكفرة . وقال الضحاك  والحسن    : أي نحييهم بالإيمان بعد الجهل . والأول أظهر ، أي : نحييهم بالبعث للجزاء . ثم توعدهم بذكره كتب الآثار ، وهي : 
الثانية : وإحصاء كل شيء وكل ما يصنعه الإنسان . قال قتادة    : معناه من عمل . وقاله مجاهد  وابن زيد .  ونظيره قوله : علمت نفس ما قدمت وأخرت  ، وقوله : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر  ، وقال : اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد  فآثار المرء التي تبقى وتذكر بعد الإنسان من خير أو شر يجازى عليها ، من أثر حسن ، كعلم علموه ، أو كتاب صنفوه ، أو حبيس احتبسوه ، أو بناء بنوه من مسجد ، أو رباط ، أو قنطرة ، أو نحو ذلك . أو سيئ كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين ، وسكة أحدثها فيها تخسيرهم ، أو شيء أحدثه فيه صد عن ذكر الله من ألحان وملاه ، وكذلك كل سنة حسنة ، أو سيئة يستن بها . وقيل : هي آثار المشائين إلى المساجد . وعلى هذا المعنى تأول الآية عمر   وابن عباس   وسعيد بن جبير    . وعن ابن عباس  أيضا أن معنى " وآثارهم " : خطاهم إلى المساجد . قال النحاس    : وهذا أولى ما قيل فيه ، لأنه قال : إن الآية نزلت في ذلك ; لأن الأنصار  كانت منازلهم بعيدة عن المسجد . وفي الحديث مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يكتب له برجل حسنة ، وتحط عنه برجل سيئة ذاهبا وراجعا ، إذا خرج إلى المسجد   . 
 [ ص: 14 ] قلت : وفي الترمذي  عن  أبي سعيد الخدري  قال : كانت بنو سلمة  في ناحية المدينة ،  فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد ، فنزلت هذه الآية : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم  فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا . قال : هذا حديث حسن غريب من حديث الثوري    . وفي صحيح مسلم  عن  جابر بن عبد الله  قال : أراد بنو سلمة  أن يتحولوا إلى قرب المسجد ، قال : والبقاع خالية ، قال : فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا بني سلمة ،  دياركم تكتب آثاركم ، دياركم تكتب آثاركم فقالوا : ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا . وقال ثابت البناني    : مشيت مع أنس بن مالك  إلى الصلاة فأسرعت ، فحبسني ، فلما انقضت الصلاة قال : مشيت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسرعت ، فحبسني ، فلما انقضت الصلاة قال :   " أما علمت أن الآثار تكتب " فهذا احتجاج بالآية . وقال قتادة  ومجاهد  أيضا والحسن    : الآثار في هذه الآية الخطى . وحكى الثعلبي  عن أنس  أنه قال : الآثار هي الخطى إلى الجمعة . وواحد الآثار أثر ، ويقال أثر . 
الثالثة : في هذه الأحاديث المفسرة لمعنى الآية دليل على أن البعد من المسجد أفضل  ، فلو كان بجوار مسجد ، فهل له أن يجاوزه إلى الأبعد ؟  اختلف فيه ، فروي عن أنس  أنه كان يجاوز المحدث إلى القديم . وروي عن غيره : الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا . وكره الحسن  وغيره هذا ، وقال : لا يدع مسجدا قربه ويأتي غيره . وهذا مذهب مالك    . وفي تخطي مسجده إلى المسجد الأعظم  قولان . وخرج ابن ماجه  من حديث أنس بن مالك  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " صلاة الرجل في بيته بصلاة ، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة ، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة "   . 
 [ ص: 15 ] الرابعة : ( دياركم ) منصوب على الإغراء ، أي : الزموا ، و ( تكتب ) جزم على جواب ذلك الأمر . وكل نصب بفعل مضمر يدل عليه أحصيناه ، كأنه قال : وأحصينا كل شيء أحصيناه . ويجوز رفعه بالابتداء ، إلا أن نصبه أولى ، ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل . وهو قول الخليل   وسيبويه    . والإمام : الكتاب المقتدى به الذي هو حجة . وقال مجاهد  وقتادة  وابن زيد    : أراد اللوح المحفوظ . وقالت فرقة : أراد صحائف الأعمال . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					