قوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء أي إنه لا يخلف الميعاد في إحياء الخلق ، والتمييز بين المؤمن والكافر ، وهو قادر على ذلك كما أنه قادر على إنزال الماء من السماء . " أنزل من السماء " أي : من السحاب " ماء " أي : المطر " فسلكه ينابيع في الأرض " أي فأدخله في الأرض وأسكنه فيها ، كما قال : " فأسكناه في الأرض " . " ينابيع " جمع ينبوع وهو يفعول من نبع ينبع وينبع وينبع بالرفع والنصب والخفض . النحاس : وحكى لنا ابن كيسان في قول الشاعر [ عنترة ] :
ينباع من ذفرى غضوب جسرة
أن معناه ينبع فأشبع الفتحة فصارت ألفا نبوعا خرج . والينبوع عين الماء والجمع الينابيع . وقد مضى في [ سبحان ] .
ثم يخرج به أي : بذلك الماء الخارج من ينابيع الأرض زرعا هو للجنس أي : زروعا شتى لها ألوان مختلفة ، حمرة وصفرة وزرقة وخضرة ونورا . قال الشعبي والضحاك : كل ماء في الأرض فمن السماء نزل ، إنما ينزل من السماء إلى الصخرة ، ثم تقسم منها العيون والركايا .
ثم يهيج أي : ييبس . فتراه أي : بعد خضرته " مصفرا " قال المبرد قال الأصمعي : يقال هاجت الأرض تهيج إذا أدبر نبتها وولى . قال : كذلك هاج النبت . قال : وكذلك قال غير الأصمعي . وقال الجوهري : هاج النبت هياجا أي : يبس . وأرض هائجة يبس بقلها أو اصفر ، وأهاجت الريح النبت أيبسته ، وأهيجنا الأرض أي : وجدناها هائجة النبات ، وهاج هائجه أي : ثار غضبه ، وهدأ هائجه أي : سكنت فورته .
ثم يجعله حطاما أي فتاتا مكسرا ، من تحطم العود إذا تفتت من اليبس . والمعنى أن من قدر على هذا قدر على الإعادة . وقيل : هو مثل ضربه الله للقرآن ولصدور من في الأرض ، أي : أنزل من [ ص: 220 ] السماء قرآنا فسلكه في قلوب المؤمنين ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه أي : دينا مختلفا ، بعضه أفضل من بعض ، فأما المؤمن فيزداد إيمانا ويقينا ، وأما الذي في قلبه مرض فإنه يهيج كما يهيج الزرع . وقيل : هو مثل ضربه الله للدنيا ، أي : كما يتغير النبت الأخضر فيصفر كذلك الدنيا بعد بهجتها . إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب .