قوله تعالى : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا     . 
قال ابن الأنباري    : فتحا مبينا  غير تام ; لأن قوله : ليغفر لك الله ما تقدم  متعلق بالفتح . كأنه قال : إنا فتحنا لك فتحا مبينا  لكي يجمع الله لك مع الفتح المغفرة ، فيجمع الله   [ ص: 240 ] لك به ما تقر به عينك في الدنيا والآخرة . وقال  أبو حاتم السجستاني    : هي لام القسم . وهذا خطأ ; لأن لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها ، ولو جاز هذا لجاز : ليقوم زيد ، بتأويل ليقومن زيد .  الزمخشري    : فإن قلت كيف جعل فتح مكة  علة للمغفرة ؟ قلت : لم يجعل علة للمغفرة ، ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة ، وهي : المغفرة ، وإتمام النعمة ، وهداية الصراط المستقيم ، والنصر العزيز . كأنه قال يسرنا لك فتح مكة  ونصرناك على عدوك ليجمع لك عز الدارين وأعراض العاجل والآجل . ويجوز أن يكون فتح مكة  من حيث إنه جهاد للعدو سببا للغفران والثواب . وفي الترمذي  عن أنس  قال : أنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر مرجعه من الحديبية  ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على وجه الأرض ] . ثم قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم ، فقالوا : هنيئا مريئا يا رسول الله ، لقد بين الله لك ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ، فنزلت عليه : ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار    - حتى بلغ - فوزا عظيما قال حديث حسن صحيح . وفيه عن مجمع بن جارية    . 
واختلف أهل التأويل في معنى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  فقيل : ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة . وما تأخر بعدها ، قاله مجاهد    . ونحوه قال الطبري   وسفيان الثوري  ، قال الطبري    : هو راجع إلى قوله تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح  إلى قوله توابا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك  قبل الرسالة وما تأخر إلى وقت نزول هذه الآية . وقال  سفيان الثوري    : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ما عملته في الجاهلية من قبل أن يوحى إليك . وما تأخر كل شيء لم تعمله ، وقاله الواحدي    . وقد مضى الكلام في جريان الصغائر على الأنبياء  في سورة " البقرة " ، فهذا قول . 
وقيل : ما تقدم قبل الفتح . وما تأخر بعد الفتح . وقيل : ما تقدم قبل نزول هذه الآية . وما تأخر بعدها . وقال  عطاء الخراساني    : ما تقدم من ذنبك  يعني من ذنب أبويك آدم  وحواء    . وما تأخر من ذنوب أمتك . وقيل : من ذنب أبيك إبراهيم    . وما تأخر من ذنوب النبيين . وقيل : ما تقدم من ذنب يوم بدر    . وما تأخر من ذنب يوم حنين    . وذلك أن الذنب المتقدم يوم بدر  ، أنه جعل يدعو ويقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبدا وجعل يردد هذا القول دفعات ، فأوحى الله إليه : من أين تعلم أني لو أهلكت هذه العصابة لا أعبد أبدا ، فكان هذا الذنب المتقدم . وأما الذنب المتأخر فيوم حنين  ، لما انهزم الناس قال لعمه العباس   [ ص: 241 ] ولابن عمه أبي سفيان    : [ ناولاني كفا من حصباء الوادي ] فناولاه فأخذه بيده ورمى به في وجوه المشركين وقال : [ شاهت الوجوه . حم . لا ينصرون ] فانهزم القوم عن آخرهم ، فلم يبق أحد إلا امتلأت عيناه رملا وحصباء . ثم نادى في أصحابه فرجعوا فقال لهم عند رجوعهم : [ لو لم أرمهم لم ينهزموا ] فأنزل الله - عز وجل - : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى  فكان هذا هو الذنب المتأخر . وقال أبو علي الروذباري    : يقول لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك . 
قوله تعالى : ويتم نعمته عليك   قال ابن عباس    : في الجنة . وقيل : بالنبوة والحكمة . وقيل : بفتح مكة  والطائف  وخيبر    . وقيل : بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر . ويهديك صراطا مستقيما  أي يثبتك على الهدى إلى أن يقبضك إليه . وينصرك الله نصرا عزيزا  أي غالبا منيعا لا يتبعه ذل . 
				
						
						
