قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون .
فيه خمس مسائل :
الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=29032قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون روى
nindex.php?page=showalam&ids=14272الدارمي أبو محمد في مسنده أخبرنا
محمد بن كثير عن
الأوزاعي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير عن
أبي سلمة nindex.php?page=hadith&LINKID=831384عن nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام قال : قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه ; فأنزل الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=1سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون حتى ختمها . قال عبد الله : فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها . قال أبو سلمة : فقرأها علينا ابن سلام . قال يحيى : فقرأها علينا أبو سلمة وقرأها علينا يحيى وقرأها علينا الأوزاعي وقرأها علينا [ ص: 70 ] محمد . وقال
ابن عباس قال
عبد الله بن رواحة : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله لعملناه ; فلما نزل الجهاد كرهوه . وقال
الكلبي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865141قال المؤمنون : يا رسول الله ، لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليها ; فنزلت nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم فمكثوا زمانا يقولون : لو نعلم ما هي لاشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين ; فدلهم الله تعالى عليها بقوله : nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم الآية . فابتلوا يوم أحد ففروا ; فنزلت تعيرهم بترك الوفاء .
وقال محمد بن كعب : لما أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر قالت الصحابة : اللهم اشهد ! لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا ; ففروا يوم أحد فعيرهم الله بذلك .
وقال مهران والضحاك : نزلت في قوم كانوا يقولون : نحن جاهدنا وأبلينا ولم يفعلوا . وقال صهيب : كان رجل قد آذى المسلمين يوم بدر وأنكاهم فقتلته . فقال رجل : يا نبي الله ، إني قتلت فلانا ، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . فقال عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف : يا صهيب ، أما أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك قتلت فلانا ! فإن فلانا انتحل قتله ; فأخبره فقال : أكذلك يا أبا يحيى ؟ قال : نعم والله يا رسول الله ; فنزلت الآية في المنتحل . وقال
ابن زيد : نزلت في المنافقين ; كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم وقاتلنا ; فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا .
الثانية : هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها . وفي صحيح
مسلم عن
أبي موسى أنه بعث إلى قراء
أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن ; فقال : أنتم خيار
أهل البصرة وقراؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم . وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ب " براءة " فأنسيتها ; غير أني قد حفظت منها " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب " . وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها ; غير أني حفظت منها :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم
[ ص: 71 ] القيامة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهذا كله ثابت في الدين . أما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فثابت في الدين لفظا ومعنى في هذه السورة . وأما قوله : " شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة " فمعنى ثابت في الدين ; فإن من التزم شيئا لزمه شرعا . والملتزم على قسمين : أحدهما :
nindex.php?page=treesubj&link=4180_4183النذر ، وهو على قسمين ، نذر تقرب مبتدأ كقوله : لله علي صلاة وصوم وصدقة ، ونحوه من القرب . فهذا يلزم الوفاء به إجماعا . ونذر مباح وهو ما علق بشرط رغبة ، كقوله : إن قدم غائبي فعلي صدقة ، أو علق بشرط رهبة ، كقوله : إن كفاني الله شر كذا فعلي صدقة . فاختلف العلماء فيه ، فقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، يلزمه الوفاء به . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أحد أقواله : إنه لا يلزمه الوفاء به . وعموم الآية حجة لنا ، لأنها بمطلقها تتناول ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق أو مقيد بشرط . وقد قال أصحابه : إن النذر إنما يكون بما القصد منه القربة مما هو من جنس القربة . وهذا وإن كان من جنس القربة لكنه لم يقصد به القربة ، وإنما قصد منع نفسه عن فعل أو الإقدام على فعل .
قلنا : القرب الشرعية مشقات وكلف وإن كانت قربات . وهذا تكلف التزام هذه القربة بمشقة لجلب نفع أو دفع ضر ، فلم يخرج عن سنن التكليف ولا زال عن قصد التقرب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : فإن كان المقول منه وعدا فلا يخلو أن يكون منوطا بسبب كقوله : إن تزوجت أعنتك بدينار ، أو ابتعت حاجة كذا أعطيتك كذا . فهذا لازم إجماعا من الفقهاء . وإن كان وعدا مجردا فقيل يلزم بتعلقه . وتعلقوا بسبب الآية ، فإنه روي أنهم كانوا يقولون : لو نعلم أي الأعمال أفضل أو أحب إلى الله لعملناه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وهو حديث لا بأس به . وقد روي عن
مجاهد أن
عبد الله بن رواحة لما سمعها قال : لا أزال حبيسا في سبيل الله حتى أقتل . والصحيح عندي أن
nindex.php?page=treesubj&link=18085الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر .
قلت : قال
مالك : فأما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له نعم ; ثم يبدو له ألا يفعل فما أرى ذلك يلزمه . وقال
ابن القاسم : إذا وعد الغرماء فقال : أشهدكم أني قد وهبت له من أن يؤدي إليكم ; فإن هذا يلزمه . وأما أن يقول نعم أنا أفعل ; ثم يبدو له ، فلا أرى عليه ذلك .
[ ص: 72 ] قلت : أي لا يقضي عليه بذلك ; فأما في مكارم الأخلاق وحسن المروءة فنعم . وقد أثنى الله تعالى على من صدق وعده ووفى بنذره فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=54واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وقد تقدم بيانه .
الثالثة : قال
المثنى : ثلاث آيات منعتني أن أقص على الناس
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ،
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم الحافظ من حديث
مالك بن دينار عن
ثمامة أن
أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865144 " أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت . قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ولا يفعلون ويقرءون كتاب الله ولا يعملون " . وعن بعض السلف أنه قيل له : حدثنا ; فسكت . ثم قيل له : حدثنا . فقال : أترونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله !
الرابعة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2لم تقولون ما لا تفعلون استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله . أما في الماضي فيكون كذبا ، وأما في المستقبل فيكون خلفا ، وكلاهما مذموم . وتأول
سفيان بن عيينة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2لم تقولون ما لا تفعلون أي لم تقولون ما ليس الأمر فيه إليكم ، فلا تدرون هل تفعلون أو لا تفعلون . فعلى هذا يكون الكلام محمولا على ظاهره في إنكار القول .
الخامسة :
nindex.php?page=treesubj&link=29032قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون قد يحتج به في وجوب الوفاء في اللجاج والغضب على أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . و " أن " وقع بالابتداء وما قبلها الخبر ; وكأنه قال : قولكم ما لا تفعلون مذموم ، ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف .
الكسائي : " أن " في موضع رفع ; لأن كبر فعل بمنزلة بئس رجلا أخوك . و " مقتا " نصب بالتمييز ; المعنى كبر قولهم ما لا يفعلون مقتا . وقيل : هو حال . والمقت والمقاتة مصدران ; يقال : رجل مقيت وممقوت إذا لم يحبه الناس .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ .
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=29032قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14272الدَّارِمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17298يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=831384عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ : قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا : لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَعَمِلْنَاهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=1سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ حَتَّى خَتَمَهَا . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا . قَالَ أَبُو سَلَمَةَ : فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ سَلَامٍ . قَالَ يَحْيَى : فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا يَحْيَى وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الْأَوْزَاعِيُّ وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا [ ص: 70 ] مُحَمَّدٌ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : لَوْ عَلِمْنَا أَحَبَّ الْأَعْمَالَ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ ; فَلَمَّا نَزَلَ الْجِهَادُ كَرِهُوهُ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865141قَالَ الْمُؤْمِنُونَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ نَعْلَمُ أَحَبَّ الْأَعْمَالَ إِلَى اللَّهِ لَسَارَعْنَا إِلَيْهَا ; فَنَزَلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ فَمَكَثُوا زَمَانًا يَقُولُونَ : لَوْ نَعْلَمُ مَا هِيَ لَاشْتَرَيْنَاهَا بِالْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالْأَهْلِينَ ; فَدَلَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ : nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ الْآيَةَ . فَابْتُلُوا يَوْمَ أُحُدٍ فَفَرُّوا ; فَنَزَلَتْ تُعَيِّرُهُمْ بِتَرْكِ الْوَفَاءِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوَابِ شُهَدَاءِ بَدْرٍ قَالَتِ الصَّحَابَةُ : اللَّهُمَّ اشْهَدْ ! لَئِنْ لَقِينَا قِتَالًا لَنُفْرِغَنَّ فِيهِ وُسْعَنَا ; فَفَرُّوا يَوْمَ أُحُدٍ فَعَيَّرَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ .
وَقَالَ مِهْرَانُ وَالضَّحَّاكُ : نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ جَاهَدْنَا وَأَبْلَيْنَا وَلَمْ يَفْعَلُوا . وَقَالَ صُهَيْبٌ : كَانَ رَجُلٌ قَدْ آذَى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنْكَاهُمْ فَقَتَلْتُهُ . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنِّي قَتَلْتُ فُلَانًا ، فَفَرِحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ nindex.php?page=showalam&ids=38وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : يَا صُهَيْبُ ، أَمَا أَخْبَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّكَ قَتَلْتَ فُلَانًا ! فَإِنَّ فُلَانًا انْتَحَلَ قَتْلَهُ ; فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : أَكَذَلِكَ يَا أَبَا يَحْيَى ؟ قَالَ : نَعَمْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ; فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الْمُنْتَحِلِ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ ; كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ : إِنْ خَرَجْتُمْ وَقَاتَلْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ وَقَاتَلْنَا ; فَلَمَّا خَرَجُوا نَكَصُوا عَنْهُمْ وَتَخَلَّفُوا .
الثَّانِيَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ تُوجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ عَمَلًا فِيهِ طَاعَةٌ أَنْ يَفِيَ بِهَا . وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
أَبِي مُوسَى أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى قُرَّاءِ
أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ ; فَقَالَ : أَنْتُمْ خِيَارُ
أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ ، فَاتْلُوهُ وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ . وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِ " بَرَاءَةٍ " فَأُنْسِيتُهَا ; غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ " . وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ فَأُنْسِيتُهَا ; غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ فَتُكْتَبُ شَهَادَةٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ
[ ص: 71 ] الْقِيَامَةِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهَذَا كُلُّهُ ثَابِتٌ فِي الدِّينِ . أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ فَثَابِتٌ فِي الدِّينِ لَفْظًا وَمَعْنًى فِي هَذِهِ السُّورَةِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : " شَهَادَةٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فَمَعْنًى ثَابِتٌ فِي الدِّينِ ; فَإِنَّ مَنِ الْتَزَمَ شَيْئًا لَزِمَهُ شَرْعًا . وَالْمُلْتَزَمُ عَلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=4180_4183النَّذْرُ ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ ، نَذْرُ تَقَرُّبٍ مُبْتَدَأٍ كَقَوْلِهِ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ وَصَوْمٌ وَصَدَقَةٌ ، وَنَحْوُهُ مِنَ الْقُرَبِ . فَهَذَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إِجْمَاعًا . وَنَذْرٌ مُبَاحٌ وَهُوَ مَا عُلِّقَ بِشَرْطِ رَغْبَةٍ ، كَقَوْلِهِ : إِنْ قَدِمَ غَائِبِي فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ ، أَوْ عُلِّقَ بِشَرْطِ رَهْبَةٍ ، كَقَوْلِهِ : إِنْ كَفَانِي اللَّهُ شَرَّ كَذَا فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ . فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ ، فَقَالَ
مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ ، يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ : إِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ . وَعُمُومُ الْآيَةِ حُجَّةٌ لَنَا ، لِأَنَّهَا بِمُطْلَقِهَا تَتَنَاوَلُ ذَمَّ مَنْ قَالَ مَا لَا يَفْعَلُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ مُطْلَقٍ أَوْ مُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ . وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُهُ : إِنَّ النَّذْرَ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَا الْقَصْدُ مِنْهُ الْقُرْبَةُ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْقُرْبَةِ . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْقُرْبَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقُرْبَةُ ، وَإِنَّمَا قُصِدَ مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ فِعْلٍ أَوِ الْإِقْدَامُ عَلَى فِعْلٍ .
قُلْنَا : الْقُرَبُ الشَّرْعِيَّةُ مَشَقَّاتٌ وَكُلَفٌ وَإِنْ كَانَتْ قُرُبَاتٍ . وَهَذَا تَكَلُّفُ الْتِزَامِ هَذِهِ الْقُرْبَةِ بِمَشَقَّةٍ لِجَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ سُنَنِ التَّكْلِيفِ وَلَا زَالَ عَنْ قَصْدِ التَّقَرُّبِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : فَإِنْ كَانَ الْمَقُولُ مِنْهُ وَعْدًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنُوطًا بِسَبَبٍ كَقَوْلِهِ : إِنْ تَزَوَّجْتَ أَعَنْتُكَ بِدِينَارٍ ، أَوِ ابْتَعْتَ حَاجَةَ كَذَا أَعْطَيْتُكَ كَذَا . فَهَذَا لَازِمٌ إِجْمَاعًا مِنَ الْفُقَهَاءِ . وَإِنْ كَانَ وَعْدًا مُجَرَّدًا فَقِيلَ يَلْزَمُ بِتَعَلُّقِهِ . وَتَعَلَّقُوا بِسَبَبِ الْآيَةِ ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلَ أَوْ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ . وَهُوَ حَدِيثٌ لَا بَأْسَ بِهِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ لَمَّا سَمِعَهَا قَالَ : لَا أَزَالُ حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ . وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18085الْوَعْدَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلَّا لِعُذْرٍ .
قُلْتُ : قَالَ
مَالِكٌ : فَأَمَّا الْعِدَةُ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يَهَبَ لَهُ الْهِبَةَ فَيَقُولُ لَهُ نَعَمْ ; ثُمَّ يَبْدُو لَهُ أَلَّا يَفْعَلَ فَمَا أَرَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ . وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : إِذَا وَعَدَ الْغُرَمَاءَ فَقَالَ : أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَهُ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْكُمْ ; فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ . وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ نَعَمْ أَنَا أَفْعَلُ ; ثُمَّ يَبْدُو لَهُ ، فَلَا أَرَى عَلَيْهِ ذَلِكَ .
[ ص: 72 ] قُلْتُ : أَيْ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ ; فَأَمَّا فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَحُسْنِ الْمُرُوءَةِ فَنَعَمْ . وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ صَدَقَ وَعْدَهُ وَوَفَى بِنَذْرِهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=54وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .
الثَّالِثَةُ : قَالَ
الْمُثَنَّى : ثَلَاثُ آيَاتٍ مَنَعَتْنِي أَنْ أَقُصَّ عَلَى النَّاسِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . وَخَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12181أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ مِنْ حَدِيثِ
مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ
ثُمَامَةَ أَنَّ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865144 " أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ كُلَّمَا قُرِضَتْ وَفَتْ . قُلْتُ : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ وَلَا يَفْعَلُونَ وَيَقْرَءُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يَعْمَلُونَ " . وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : حَدِّثْنَا ; فَسَكَتَ . ثُمَّ قِيلَ لَهُ : حَدِّثْنَا . فَقَالَ : أَتَرَوْنَنِي أَنْ أَقُولَ مَا لَا أَفْعَلُ فَأَسْتَعْجِلَ مَقْتَ اللَّهِ !
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ اسْتِفْهَامٌ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ ، عَلَى أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا لَا يَفْعَلُهُ . أَمَّا فِي الْمَاضِي فَيَكُونُ كَذِبًا ، وَأَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَكُونُ خُلْفًا ، وَكِلَاهُمَا مَذْمُومٌ . وَتَأَوَّلَ
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ أَيْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَيْسَ الْأَمْرُ فِيهِ إِلَيْكُمْ ، فَلَا تَدْرُونَ هَلْ تَفْعَلُونَ أَوْ لَا تَفْعَلُونَ . فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْكَلَامُ مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِرِهِ فِي إِنْكَارِ الْقَوْلِ .
الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29032قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ قَدْ يُحْتَجُّ بِهِ فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ فِي اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَ " أَنْ " وَقَعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا قَبْلَهَا الْخَبَرُ ; وَكَأَنَّهُ قَالَ : قَوْلُكُمْ مَا لَا تَفْعَلُونَ مَذْمُومٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ .
الْكِسَائِيُّ : " أَنْ " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ; لِأَنَّ كَبُرَ فِعْلٌ بِمَنْزِلَةِ بِئْسَ رَجُلًا أَخُوكَ . وَ " مَقْتًا " نَصْبٌ بِالتَّمْيِيزِ ; الْمَعْنَى كَبُرَ قَوْلُهُمْ مَا لَا يَفْعَلُونَ مَقْتًا . وَقِيلَ : هُوَ حَالٌ . وَالْمَقْتُ وَالْمَقَاتَةُ مَصْدَرَانِ ; يُقَالُ : رَجُلٌ مَقِيتٌ وَمَمْقُوتٌ إِذَا لَمْ يُحِبُّهُ النَّاسُ .