قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون [ ص: 235 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51وإن يكاد الذين كفروا إن هي المخففة من الثقيلة . " ليزلقونك " أي يعتانونك .
" بأبصارهم " أخبر بشدة عداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا أن يصيبوه بالعين فنظر إليه قوم من
قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه . وقيل : كانت العين في
بني أسد ، حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول : يا جارية ، خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة ، فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر . وقال
الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئا يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه . فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة هالكة . فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعين فأجابهم ; فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم أنشد :
قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال أنك سيد معيون
فعصم الله نبيه صلى الله عليه وسلم ونزلت :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك . وذكر نحوه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا - يعني في نفسه وماله - تجوع ثلاثة أيام ، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن ; فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله ; فأنزل الله تعالى هذه الآية . قال
القشيري : وفي هذا نظر ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=32521الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض ; ولهذا قال :
ويقولون إنه لمجنون أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن .
قلت : أقوال المفسرين واللغويين تدل على ما ذكرنا ، وأن مرادهم بالنظر إليه قتله . ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة حتى يهلك . وقرأ
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16115وأبو وائل ومجاهد " ليزهقونك " أي ليهلكونك . وهذه قراءة على التفسير ، من زهقت نفسه وأزهقها . وقرأ
أهل المدينة " ليزلقونك " بفتح الياء . وضمها الباقون ; وهما لغتان بمعنى ; يقال : زلقه يزلقه وأزلقه يزلقه إزلاقا إذا نحاه وأبعده . وزلق رأسه يزلقه زلقا إذا حلقه . وكذلك أزلقه وزلقه تزليقا . ورجل زلق وزملق - مثال هدبد - وزمالق وزملق - بتشديد الميم - وهو الذي ينزل قبل أن يجامع ; حكاه
الجوهري وغيره . فمعنى الكلمة إذا التنحية والإزالة ; وذلك لا يكون في حق النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهلاكه وموته . قال
الهروي : أراد ليعتانونك بعيونهم فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوة لك . وقال
ابن عباس : ينفذونك بأبصارهم ; يقال : زلق السهم وزهق إذا نفذ ; وهو قول
مجاهد . أي ينفذونك من شدة نظرهم . وقال
[ ص: 236 ] الكلبي : يصرعونك . وعنه أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير : يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة . وقال
العوفي : يرمونك . وقال
المؤرج : يزيلونك . وقال
النضر بن شميل nindex.php?page=showalam&ids=13674والأخفش : يفتنونك . وقال
عبد العزيز بن يحيى : ينظرون إليك نظرا شزرا بتحديق شديد . وقال
ابن زيد : ليمسونك . وقال
جعفر الصادق : ليأكلونك . وقال
الحسن وابن كيسان : ليقتلونك . وهذا كما يقال : صرعني بطرفه ، وقتلني بعينه . قال الشاعر :
ترميك مزلقة العيون بطرفها وتكل عنك نصال نبل الرامي
وقال آخر :
يتقارضون إذا التقوا في مجلس نظرا يزل مواطئ الأقدام
وقيل : المعنى أنهم ينظرون إليك بالعداوة حتى كادوا يسقطونك . وهذا كله راجع إلى ما ذكرنا ، وأن المعنى الجامع : يصيبونك بالعين . والله أعلم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ [ ص: 235 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ . " لَيُزْلِقُونَكَ " أَيْ يَعْتَانُونَكَ .
" بِأَبْصَارِهِمْ " أَخْبَرَ بِشِدَّةِ عَدَاوَتِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوهُ بِالْعَيْنِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ
قُرَيْشٍ وَقَالُوا : مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ وَلَا مِثْلَ حُجَجِهِ . وَقِيلَ : كَانَتِ الْعَيْنُ فِي
بَنِي أَسَدٍ ، حَتَّى إِنَّ الْبَقَرَةَ السَّمِينَةَ أَوِ النَّاقَةَ السَّمِينَةَ تَمُرُّ بِأَحَدِهِمْ فَيُعَايِنُهَا ثُمَّ يَقُولُ : يَا جَارِيَةُ ، خُذِي الْمِكْتَلَ وَالدِّرْهَمَ فَأْتِينَا بِلَحْمِ هَذِهِ النَّاقَةِ ، فَمَا تَبْرَحُ حَتَّى تَقَعَ لِلْمَوْتِ فَتُنْحَرَ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ يَمْكُثُ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ، ثُمَّ يَرْفَعُ جَانِبَ الْخِبَاءِ فَتَمُرُّ بِهِ الْإِبِلُ أَوِ الْغَنَمُ فَيَقُولُ : لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ إِبِلًا وَلَا غَنَمًا أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ . فَمَا تَذْهَبُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تَسْقُطَ مِنْهَا طَائِفَةٌ هَالِكَةٌ . فَسَأَلَ الْكُفَّارُ هَذَا الرَّجُلَ أَنْ يُصِيبَ لَهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَيْنِ فَأَجَابَهُمْ ; فَلَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْشَدَ :
قَدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسِبُونَكَ سَيِّدًا وَإِخَالُ أَنَّكَ سَيِّدٌ مَعْيُونُ
فَعَصَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ . وَذَكَرَ نَحْوَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ . وَأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا - يَعْنِي فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ - تَجَوَّعَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ يَتَعَرَّضُ لِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَيَقُولُ : تَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَقْوَى مِنْهُ وَلَا أَشْجَعَ وَلَا أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَا أَحْسَنَ ; فَيُصِيبُهُ بِعَيْنِهِ فَيَهْلِكُ هُوَ وَمَالُهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ . قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ : وَفِي هَذَا نَظَرٌ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32521الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ الِاسْتِحْسَانِ وَالْإِعْجَابِ لَا مَعَ الْكَرَاهِيَةِ وَالْبُغْضِ ; وَلِهَذَا قَالَ :
وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ أَيْ يَنْسُبُونَكَ إِلَى الْجُنُونِ إِذَا رَأَوْكَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ .
قُلْتُ : أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ وَاللُّغَوِيِّينَ تَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ قَتْلُهُ . وَلَا يَمْنَعُ كَرَاهَةُ الشَّيْءِ مِنْ أَنْ يُصَابَ بِالْعَيْنِ عَدَاوَةً حَتَّى يَهْلِكَ . وَقَرَأَ
ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ nindex.php?page=showalam&ids=16115وَأَبُو وَائِلٍ وَمُجَاهِدٌ " لَيُزْهِقُونَكَ " أَيْ لَيُهْلِكُونَكَ . وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ ، مِنْ زَهِقَتْ نَفْسُهُ وَأَزْهَقَهَا . وَقَرَأَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ " لَيَزْلِقُونَكَ " بِفَتْحِ الْيَاءِ . وَضَمَّهَا الْبَاقُونَ ; وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى ; يُقَالُ : زَلَقَهُ يَزْلِقُهُ وَأَزْلَقَهُ يُزْلِقُهُ إِزْلَاقًا إِذَا نَحَّاهُ وَأَبْعَدَهُ . وَزَلَقَ رَأْسَهُ يَزْلِقُهُ زَلْقًا إِذَا حَلَقَهُ . وَكَذَلِكَ أَزْلَقَهُ وَزَلَقَهُ تَزْلِيقًا . وَرَجُلٌ زَلِقٌ وَزُمَلِقٌ - مِثَالُ هُدَبِدٍ - وَزَمَالِقٍ وَزُمَّلِقٍ - بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ - وَهُوَ الَّذِي يُنْزِلُ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَ ; حَكَاهُ
الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ . فَمَعْنَى الْكَلِمَةِ إِذًا التَّنْحِيَةُ وَالْإِزَالَةُ ; وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَلَاكِهِ وَمَوْتِهِ . قَالَ
الْهَرَوِيُّ : أَرَادَ لَيَعْتَانُونَكَ بِعُيُونِهِمْ فَيُزِيلُونَكَ عَنْ مَقَامِكَ الَّذِي أَقَامَكَ اللَّهُ فِيهِ عَدَاوَةً لَكَ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : يَنْفُذُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ; يُقَالُ : زَلَقَ السَّهْمُ وَزَهَقَ إِذَا نَفَذَ ; وَهُوَ قَوْلُ
مُجَاهِدٍ . أَيْ يَنْفُذُونَكَ مِنْ شِدَّةِ نَظَرِهِمْ . وَقَالَ
[ ص: 236 ] الْكَلْبِيُّ : يَصْرَعُونَكَ . وَعَنْهُ أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : يَصْرِفُونَكَ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ . وَقَالَ
الْعَوْفِيُّ : يَرْمُونَكَ . وَقَالَ
الْمُؤَرِّجُ : يُزِيلُونَكَ . وَقَالَ
النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ nindex.php?page=showalam&ids=13674وَالْأَخْفَشُ : يَفْتِنُونَكَ . وَقَالَ
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى : يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرًا شَزْرًا بِتَحْدِيقٍ شَدِيدٍ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : لَيَمَسُّونَكَ . وَقَالَ
جَعْفَرٌ الصَّادِقُ : لَيَأْكُلُونَكَ . وَقَالَ
الْحَسَنُ وَابْنُ كَيْسَانَ : لَيَقْتُلُونَكَ . وَهَذَا كَمَا يُقَالُ : صَرَعَنِي بِطَرْفِهِ ، وَقَتَلَنِي بِعَيْنِهِ . قَالَ الشَّاعِرُ :
تَرْمِيكَ مُزْلَقَةُ الْعُيُونِ بِطَرْفِهَا وَتَكِلُّ عَنْكَ نِصَالُ نَبْلِ الرَّامِي
وَقَالَ آخَرُ :
يَتَقَارَضُونَ إِذَا الْتَقَوْا فِي مَجْلِسٍ نَظَرًا يُزِلُّ مَوَاطِئَ الْأَقْدَامِ
وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ بِالْعَدَاوَةِ حَتَّى كَادُوا يُسْقِطُونَكَ . وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَأَنَّ الْمَعْنَى الْجَامِعَ : يُصِيبُونَكَ بِالْعَيْنِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .