قوله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=29043nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وأنا لمسنا السماء هذا من قول الجن ; أي طلبنا خبرها كما جرت عادتنا فوجدناها قد ملئت حرسا شديدا أي حفظة ، يعني الملائكة . والحرس : جمع حارس وشهبا جمع شهاب ، وهو انقضاض الكواكب المحرقة لهم عن استراق السمع . وقد مضى القول فيه في سورة ( الحجر ) ( والصافات ) . و ( وجد ) يجوز أن يقدر متعديا إلى مفعولين ، فالأول الهاء والألف ، و ملئت في موضع المفعول الثاني . ويجوز أن يتعدى إلى مفعول واحد ويكون ملئت في موضع الحال على إضمار قد . و ( حرسا ) نصب على المفعول الثاني ب " ملئت " . وشديدا من نعت الحرس ، أي ملئت ملائكة شدادا . ووحد الشديد على لفظ الحرس ; وهو كما يقال : السلف الصالح بمعنى الصالحين ، وجمع السلف أسلاف وجمع الحرس أحراس ; قال :
تجاوزت أحراسا وأهوال معشر
[ ص: 13 ] ويجوز أن يكون " حرسا " مصدرا على معنى حرست حراسة شديدة .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا . منها أي من السماء ، و " مقاعد " : مواضع يقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء ; يعني أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة على ما تقدم بيانه ، فحرسها الله تعالى حين بعث رسوله بالشهب المحرقة ، فقالت الجن حينئذ :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا يعني بالشهاب الكوكب المحرق ; وقد تقدم بيان ذلك .
ويقال : لم يكن انقضاض الكواكب إلا بعد مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آية من آياته . واختلف السلف هل كانت الشياطين تقذف قبل المبعث ، أو كان ذلك أمرا حدث لمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال
الكلبي وقال قوم : لم تكن تحرس السماء في الفترة بين
عيسى ومحمد - صلوات الله عليهما وسلامه - خمسمائة عام ، وإنما كان من أجل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما بعث
محمد - صلى الله عليه وسلم - منعوا من السماوات كلها ، وحرست بالملائكة والشهب .
قلت : ورواه
عطية العوفي عن
ابن عباس ; ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي . وقال
عبد الله بن عمر : لما كان اليوم الذي نبئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منعت الشياطين ، ورموا بالشهب ، وقال
عبد الملك بن سابور : لم تكن السماء تحرس في الفترة بين
عيسى ومحمد - عليهما الصلاة والسلام - ، فلما بعث
محمد - صلى الله عليه وسلم - حرست السماء ، ورميت الشياطين بالشهب ، ومنعت عن الدنو من السماء .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17193نافع بن جبير : كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى ، فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رميت بالشهب . ونحوه عن
أبي بن كعب قال : لم يرم بنجم منذ رفع
عيسى حتى نبئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرمي بها . وقيل : كان ذلك قبل المبعث ، وإنما زادت بمبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنذارا بحاله ; وهو معنى قوله تعالى : ملئت أي زيد في حرسها ; وقال
أوس بن حجر وهو جاهلي :
فانقض كالدري يتبعه نقع يثور تخاله طنبا
وهذا قول الأكثرين . وقد أنكر
nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ هذا البيت وقال : كل شعر روي فيه فهو مصنوع ، وأن الرمي لم يكن قبل المبعث . والقول بالرمي أصح ; لقوله تعالى : فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا . وهذا إخبار عن الجن ، أنه زيد في حرس السماء حتى امتلأت منها ومنهم ; ولما روي عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866480بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - جالس في نفر من أصحابه إذ رمي بنجم ; [ ص: 14 ] فقال : " ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية " ؟ قالوا : كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا - سبحانه وتعالى - إذا قضى أمرا في السماء سبح حملة العرش ثم سبح أهل كل سماء ، حتى ينتهي التسبيح إلى هذه السماء ويستخبر أهل السماء حملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ويخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه ، فتتخطف الجن فيرمون فما جاءوا به فهو حق ولكنهم يزيدون فيه " .
وهذا يدل على أن الرجم كان قبل المبعث . وروى
الزهري نحوه عن
علي بن الحسين عن
علي بن أبي طالب عن
ابن عباس . وفي آخره قيل
للزهري : أكان يرمى في الجاهلية ؟ قال : نعم . قلت : أفرأيت قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا قال : غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - . ونحوه قال
القتبي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : كان ولكن اشتدت الحراسة بعد المبعث ; وكانوا من قبل يسترقون ويرمون في بعض الأحوال ، فلما بعث
محمد - صلى الله عليه وسلم - منعت من ذلك أصلا . وقد تقدم بيان هذا في سورة ( الصافات ) عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=8ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب قال
الحافظ : فلو قال قائل :
nindex.php?page=treesubj&link=28793_28796كيف تتعرض الجن لإحراق نفسها بسبب استماع خبر بعد أن صار ذلك معلوما لهم ؟ فالجواب أن الله تعالى ينسيهم ذلك حتى تعظم المحنة ، كما ينسى إبليس في كل وقت أنه لا يسلم ، وأن الله تعالى قال له :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=35وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ولولا هذا لما تحقق التكليف .
والرصد : قيل من الملائكة ; أي ورصدا من الملائكة . والرصد : الحافظ للشيء والجمع أرصاد ، وفي غير هذا الموضع يجوز أن يكون جمعا كالحرس ، والواحد : راصد . وقيل : الرصد هو الشهاب ، أي شهابا قد أرصد له ، ليرجم به ; فهو فعل بمعنى مفعول كالخبط والنفض .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أي هذا الحرس الذي حرست بهم السماء
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10أم أراد بهم ربهم رشدا أي خيرا . قال
ابن زيد : قال إبليس لا ندري ، هل أراد الله بهذا المنع أن ينزل على أهل الأرض عذابا أو يرسل إليهم رسولا . وقيل : هو من قول الجن فيما بينهم قبل أن يسمعوا قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - . أي لا ندري أشر أريد بمن في الأرض بإرسال
محمد إليهم ، فإنهم يكذبونه ويهلكون بتكذيبه كما هلك من كذب من الأمم ، أم أراد أن يؤمنوا فيهتدوا ; فالشر والرشد على هذا الكفر والإيمان ; وعلى هذا كان عندهم علم بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولما سمعوا قراءته علموا أنهم منعوا من السماء حراسة للوحي . وقيل : لا ; بل هذا قول قالوه لقومهم بعد أن انصرفوا إليهم منذرين ; أي لما آمنوا أشفقوا ألا يؤمن كثير من أهل الأرض فقالوا : إنا لا ندري أيكفر أهل الأرض بما آمنا به أم يؤمنون ؟
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=29043nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْجِنِّ ; أَيْ طَلَبْنَا خَبَرَهَا كَمَا جَرَتْ عَادَتُنَا فَوَجَدْنَاهَا قَدْ مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا أَيْ حَفَظَةً ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ . وَالْحَرَسُ : جَمْعُ حَارِسٍ وَشُهُبًا جَمْعُ شِهَابٍ ، وَهُوَ انْقِضَاضُ الْكَوَاكِبِ الْمُحْرِقَةِ لَهُمْ عَنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ . وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي سُورَةِ ( الْحِجْرِ ) ( وَالصَّافَّاتِ ) . وَ ( وَجَدَ ) يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، فَالْأَوَّلُ الْهَاءُ وَالْأَلِفُ ، وَ مُلِئَتْ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي . وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَيَكُونُ مُلِئَتْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ عَلَى إِضْمَارِ قَدْ . وَ ( حَرَسًا ) نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِ " مُلِئَتْ " . وَشَدِيدًا مِنْ نَعْتِ الْحَرَسِ ، أَيْ مُلِئَتْ مَلَائِكَةً شِدَادًا . وَوَحَّدَ الشَّدِيدَ عَلَى لَفْظِ الْحَرَسِ ; وَهُوَ كَمَا يُقَالُ : السَّلَفُ الصَّالِحُ بِمَعْنَى الصَّالِحِينَ ، وَجَمْعُ السَّلَفِ أَسْلَافٌ وَجَمْعُ الْحَرَسِ أَحْرَاسٌ ; قَالَ :
تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا وَأَهْوَالَ مَعْشَرٍ
[ ص: 13 ] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " حَرَسًا " مَصْدَرًا عَلَى مَعْنَى حُرِسَتْ حِرَاسَةً شَدِيدَةً .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا . مِنْهَا أَيْ مِنَ السَّمَاءِ ، وَ " مَقَاعِدُ " : مَوَاضِعُ يُقْعَدُ فِي مِثْلِهَا لِاسْتِمَاعِ الْأَخْبَارِ مِنَ السَّمَاءِ ; يَعْنِي أَنَّ مَرَدَةَ الْجِنِّ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِيَسْتَمِعُوا مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَخْبَارَ السَّمَاءِ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الْكَهَنَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، فَحَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى حِينَ بَعَثَ رَسُولَهُ بِالشُّهُبِ الْمُحْرِقَةِ ، فَقَالَتِ الْجِنُّ حِينَئِذٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا يَعْنِي بِالشِّهَابِ الْكَوْكَبَ الْمُحْرِقَ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ .
وَيُقَالُ : لَمْ يَكُنِ انْقِضَاضُ الْكَوَاكِبِ إِلَّا بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِهِ . وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ هَلْ كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تُقْذَفُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ ، أَوَ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا حَدَثَ لِمَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ فَقَالَ
الْكَلْبِيُّ وَقَالَ قَوْمٌ : لَمْ تَكُنْ تُحْرَسُ السَّمَاءُ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ
عِيسَى وَمُحَمَّدٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ - خَمْسِمِائَةِ عَامٍ ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَلَمَّا بُعِثَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنِعُوا مِنَ السَّمَاوَاتِ كُلِّهَا ، وَحُرِسَتْ بِالْمَلَائِكَةِ وَالشُّهُبِ .
قُلْتُ : وَرَوَاهُ
عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ; ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ . وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنِعَتِ الشَّيَاطِينُ ، وَرُمُوا بِالشُّهُبِ ، وَقَالَ
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَابُورَ : لَمْ تَكُنِ السَّمَاءُ تُحْرَسُ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ
عِيسَى وَمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ، فَلَمَّا بُعِثَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُرِسَتِ السَّمَاءُ ، وَرُمِيَتِ الشَّيَاطِينُ بِالشُّهُبِ ، وَمُنِعَتْ عَنِ الدُّنُوِّ مِنَ السَّمَاءِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17193نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ : كَانَتِ الشَّيَاطِينُ فِي الْفَتْرَةِ تَسْمَعُ فَلَا تُرْمَى ، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُمِيَتْ بِالشُّهُبِ . وَنَحْوُهُ عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : لَمْ يُرْمَ بِنَجْمٍ مُنْذُ رُفِعَ
عِيسَى حَتَّى نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُمِيَ بِهَا . وَقِيلَ : كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ ، وَإِنَّمَا زَادَتْ بِمَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْذَارًا بِحَالِهِ ; وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : مُلِئَتْ أَيْ زِيدَ فِي حَرَسِهَا ; وَقَالَ
أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ وَهُوَ جَاهِلِيٌّ :
فَانْقَضَّ كَالدُّرِّيِّ يَتْبَعُهُ نَقْعٌ يَثُورُ تَخَالُهُ طُنُبَا
وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ . وَقَدْ أَنْكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13974الْجَاحِظُ هَذَا الْبَيْتَ وَقَالَ : كُلُّ شِعْرٍ رُوِيَ فِيهِ فَهُوَ مَصْنُوعٌ ، وَأَنَّ الرَّمْيَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْمَبْعَثِ . وَالْقَوْلُ بِالرَّمْيِ أَصَحُّ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا . وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْجِنِّ ، أَنَّهُ زِيدَ فِي حَرَسِ السَّمَاءِ حَتَّى امْتَلَأَتْ مِنْهَا وَمِنْهُمْ ; وَلِمَا رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866480بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ ; [ ص: 14 ] فَقَالَ : " مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ " ؟ قَالُوا : كُنَّا نَقُولُ يَمُوتُ عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ عَظِيمٌ . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّهَا لَا تُرْمَى لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ، وَلَكِنَّ رَبَّنَا - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إِذَا قَضَى أَمْرًا فِي السَّمَاءِ سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ ، حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّسْبِيحُ إِلَى هَذِهِ السَّمَاءِ وَيَسْتَخْبِرَ أَهْلُ السَّمَاءِ حَمَلَةَ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَيُخْبِرُونَهُمْ وَيُخْبَرُ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إِلَى هَذِهِ ، فَتَتَخَطَّفُ الْجِنُّ فَيُرْمَوْنَ فَمَا جَاءُوا بِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يَزِيدُونَ فِيهِ " .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجْمَ كَانَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ . وَرَوَى
الزُّهْرِيُّ نَحْوَهُ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ . وَفِي آخِرِهِ قِيلَ
لِلزَّهْرِيِّ : أَكَانَ يُرْمَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْتُ : أَفَرَأَيْتَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا قَالَ : غُلِّظَتْ وَشُدِّدَ أَمْرُهَا حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَنَحْوَهُ قَالَ
الْقُتَبِيُّ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنُ قُتَيْبَةَ : كَانَ وَلَكِنِ اشْتَدَّتِ الْحِرَاسَةُ بَعْدَ الْمَبْعَثِ ; وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَرِقُونَ وَيُرْمَوْنَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، فَلَمَّا بُعِثَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنِعَتْ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي سُورَةِ ( الصَّافَّاتِ ) عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=8وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ قَالَ
الْحَافِظُ : فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=28793_28796كَيْفَ تَتَعَرَّضُ الْجِنُّ لِإِحْرَاقِ نَفْسِهَا بِسَبَبِ اسْتِمَاعِ خَبَرٍ بَعْدَ أَنْ صَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لَهُمْ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْسِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى تَعْظُمَ الْمِحْنَةُ ، كَمَا يَنْسَى إِبْلِيسُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنَّهُ لَا يُسْلِمُ ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=35وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَلَوْلَا هَذَا لَمَا تَحَقَّقَ التَّكْلِيفُ .
وَالرَّصَدُ : قِيلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ; أَيْ وَرَصَدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ . وَالرَّصَدُ : الْحَافِظُ لِلشَّيْءِ وَالْجَمْعُ أَرْصَادٌ ، وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا كَالْحَرَسِ ، وَالْوَاحِدُ : رَاصِدٌ . وَقِيلَ : الرَّصَدُ هُوَ الشِّهَابُ ، أَيْ شِهَابًا قَدْ أُرْصِدَ لَهُ ، لِيُرْجَمَ بِهِ ; فَهُوَ فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْخَبَطِ وَالنَّفَضِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَيْ هَذَا الْحَرَسُ الَّذِي حُرِسَتْ بِهِمُ السَّمَاءُ
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا أَيْ خَيْرًا . قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : قَالَ إِبْلِيسُ لَا نَدْرِي ، هَلْ أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا الْمَنْعِ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ عَذَابًا أَوْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْلِ الْجِنِّ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعُوا قِرَاءَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . أَيْ لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ بِإِرْسَالِ
مُحَمَّدٍ إِلَيْهِمْ ، فَإِنَّهُمْ يُكَذِّبُونَهُ وَيَهْلِكُونَ بِتَكْذِيبِهِ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَذَّبَ مِنَ الْأُمَمِ ، أَمْ أَرَادَ أَنْ يُؤْمِنُوا فَيَهْتَدُوا ; فَالشَّرُّ وَالرَّشَدُ عَلَى هَذَا الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ ; وَعَلَى هَذَا كَانَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَمَّا سَمِعُوا قِرَاءَتَهُ عَلِمُوا أَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنَ السَّمَاءِ حِرَاسَةً لِلْوَحْيِ . وَقِيلَ : لَا ; بَلْ هَذَا قَوْلٌ قَالُوهُ لِقَوْمِهِمْ بَعْدَ أَنِ انْصَرَفُوا إِلَيْهِمْ مُنْذِرِينَ ; أَيْ لَمَّا آمَنُوا أَشْفَقُوا أَلَّا يُؤْمِنَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَقَالُوا : إِنَّا لَا نَدْرِي أَيَكْفُرُ أَهْلُ الْأَرْضِ بِمَا آمَنَّا بِهِ أَمْ يُؤْمِنُونَ ؟