[ ص: 30 ] سورة المزمل
وهي سبع وعشرون آية . مكية كلها في قول
الحسن وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء وجابر .
وقال
ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها : واصبر على ما يقولون والتي تليها ; ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . وقال
الثعلبي : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى إلى آخر السورة ; فإنه نزل
بالمدينة .
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=29044nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا
فيه ثماني مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يا أيها المزمل قال
الأخفش سعيد : المزمل أصله المتزمل ; فأدغمت التاء في الزاي وكذلك المدثر . وقرأ
أبي بن كعب على الأصل ( المتزمل ) و ( المتدثر ) .
وسعيد : المزمل . وفي أصل المزمل قولان : أحدهما : أنه المحتمل ; يقال : زمل الشيء إذا حمله ، ومنه الزاملة ; لأنها تحمل القماش . الثاني : أن المزمل هو المتلفف ; يقال : تزمل وتدثر بثوبه إذا تغطى . وزمل غيره إذا غطاه ، وكل شيء لفف فقد زمل ودثر ; قال
امرؤ القيس :
[ كأن أبانا في أفانين ودقه ] كبير أناس في بجاد مزمل
الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يا أيها المزمل هذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه ثلاثة أقوال :
الأول :
[ ص: 31 ] قول
عكرمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يا أيها المزمل بالنبوة والملتزم للرسالة . وعنه أيضا : يا أيها الذي زمل هذا الأمر أي حمله ثم فتر ، وكان يقرأ : يا أيها المزمل بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها على حذف المفعول ، وكذلك المدثر والمعنى المزمل نفسه والمدثر نفسه ، أو الذي زمله غيره .
الثاني :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يا أيها المزمل بالقرآن ، قاله
ابن عباس .
الثالث المزمل بثيابه ، قال
قتادة وغيره . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي : كان متزملا بقطيفة .
عائشة : بمرط طوله أربعة عشر ذراعا ، نصفه علي وأنا نائمة ، ونصفه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ، والله ما كان خزا ولا قزا ولا مرعزاء ولا إبريسما ولا صوفا ، كان سداه شعرا ، ولحمته وبرا ، ذكره
الثعلبي .
قلت : وهذا القول من
عائشة يدل على أن السورة مدنية ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبن بها إلا في
المدينة . وما ذكر من أنها مكية لا يصح . والله أعلم .
وقال
الضحاك : تزمل بثيابه لمنامه . وقيل : بلغه من المشركين سوء قول فيه ، فاشتد عليه فتزمل في ثيابه وتدثر ، فنزلت :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يا أيها المزمل و
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=1يا أيها المدثر .
وقيل : كان هذا في ابتداء ما أوحي إليه ، فإنه لما سمع قول الملك ونظر إليه أخذته الرعدة فأتى أهله فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500546زملوني دثروني " روي معناه عن
ابن عباس . وقالت الحكماء : إنما خاطبه بالمزمل والمدثر في أول الأمر ; لأنه لم يكن بعد ادثر شيئا من تبليغ الرسالة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : واختلف في تأويل : يا أيها المزمل فمنهم من حمله على حقيقته ، قيل له : يا من تلفف في ثيابه أو في قطيفته قم ; قاله
إبراهيم وقتادة . ومنهم من حمله على المجاز ، كأنه قيل له : يا من تزمل بالنبوة ; قاله
عكرمة . وإنما يسوغ هذا التفسير لو كانت الميم مفتوحة مشددة بصيغة المفعول الذي لم يسم فاعله ، وأما وهو بلفظ الفاعل فهو باطل .
قلت : وقد بينا أنها على حذف المفعول : وقد قرئ بها ، فهي صحيحة المعنى . قال : وأما من قال إنه زمل القرآن فهو صحيح في المجاز ، لكنه قد قدمنا أنه لا يحتاج إليه .
الثالثة : قال
السهيلي : ليس المزمل باسم من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يعرف به كما ذهب إليه بعض الناس وعدوه في أسمائه - عليه السلام - ، وإنما المزمل اسم مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطاب ، وكذلك المدثر .
وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان :
إحداهما الملاطفة ;
[ ص: 32 ] فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها ; كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -
لعلي حين غاضب
فاطمة - رضي الله عنهما - ، فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب فقال له : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=831492قم يا أبا تراب " إشعارا له أنه غير عاتب عليه ، وملاطفة له . وكذلك قوله - عليه السلام -
لحذيفة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=831493قم يا نومان " وكان نائما ملاطفة له ، وإشعارا لترك العتب والتأنيب . فقول الله تعالى
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يا أيها المزمل قم فيه تأنيس وملاطفة ; ليستشعر أنه غير عاتب عليه .
والفائدة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=1252التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى فيه ; لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل واتصف بتلك الصفة .
الرابعة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=2قم الليل قراءة العامة بكسر الميم لالتقاء الساكنين . وقرأ
أبو السمال بضم الميم إتباعا لضمة القاف . وحكى الفتح لخفته . قال
عثمان بن جني : الغرض بهذه الحركة التبليغ بها هربا من التقاء الساكنين ، فبأي حركة تحركت فقد وقع الغرض . وهو من الأفعال القاصرة غير المتعدية إلى مفعول ، فأما ظرف الزمان والمكان فسائغ فيه ، إلا أن ظرف المكان لا يتعدى إليه إلا بواسطة ; لا تقول : قمت الدار حتى تقول قمت وسط الدار وخارج الدار . وقد قيل : إن ( قم ) هنا معناه صل ; عبر به عنه واستعير له حتى صار عرفا بكثرة الاستعمال .
الخامسة : ( الليل ) حد الليل : من غروب الشمس إلى طلوع الفجر . وقد تقدم بيانه في سورة ( البقرة ) واختلف :
nindex.php?page=treesubj&link=23660هل كان قيامه فرضا وحتما ، أو كان ندبا وحضا ؟ والدلائل تقوي أن قيامه كان حتما وفرضا ; وذلك أن الندب والحض لا يقع على بعض الليل دون بعض ; لأن قيامه ليس مخصوصا به وقت دون وقت . وأيضا فقد جاء التوقيت بذلك عن
عائشة وغيرها على ما يأتي . واختلف أيضا :
nindex.php?page=treesubj&link=23660هل كان فرضا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده ، أو عليه وعلى من كان قبله من الأنبياء ، أو عليه وعلى أمته ؟ ثلاثة أقوال :
الأول : قول
سعيد بن جبير لتوجه الخطاب إليه خاصة .
الثاني : قول
ابن عباس ، قال : كان قيام الليل فريضة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى الأنبياء قبله .
الثالث : قول
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أيضا وهو الصحيح ; كما في صحيح
مسلم عن
زرارة بن أوفى nindex.php?page=hadith&LINKID=3500547أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله . . . الحديث ، وفيه : فقلت [ ص: 33 ] nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقالت : ألست تقرأ : يا أيها المزمل قلت : بلى ! قالت فإن الله - عز وجل - افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حولا ، وأمسك الله - عز وجل - خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء ، حتى أنزل الله - عز وجل - في آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة . وذكر الحديث .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ويعلى قالا : حدثنا
مسعر عن
سماك الحنفي قال : سمعت
ابن عباس يقول لما أنزل أول يا أيها المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها ، وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة .
وقال
سعيد بن جبير : مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عشر سنين يقومون الليل ، فنزل بعد عشر سنين :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل فخفف الله عنهم .
السادسة : قوله تعالى : إلا قليلا استثناء من الليل ، أي صل الليل كله إلا يسيرا منه ; لأن قيام جميعه على الدوام غير ممكن ، فاستثنى منه القليل لراحة الجسد . والقليل من الشيء ما دون النصف ; فحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه أنه قال : القليل ما دون المعشار والسدس . وقال
الكلبي ومقاتل : الثلث .
ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=3نصفه أو انقص منه قليلا فكان ذلك تخفيفا إذ لم يكن زمان القيام محدودا ، فقام الناس حتى ورمت أقدامهم ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : علم أن لن تحصوه .
وقال
الأخفش : ( نصفه ) أي أو نصفه ; يقال : أعطه درهما درهمين ثلاثة : يريد : أو درهمين أو ثلاثة .
وقال
الزجاج : نصفه بدل من الليل و ( إلا قليلا ) استثناء من النصف . والضمير في ( منه ) و ( عليه ) للنصف . المعنى : قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث أو زد عليه قليلا إلى الثلثين ; فكأنه قال : قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه .
وقيل : إن نصفه بدل من قوله : قليلا وكان مخيرا بين ثلاث : بين قيام النصف بتمامه ، وبين الناقص منه ، وبين قيام الزائد عليه ; كأن تقدير الكلام : قم الليل إلا نصفه ، أو أقل من نصفه ، أو أكثر من نصفه .
وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831495ينزل الله - عز وجل - إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول ، فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر . ونحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وأبي سعيد جميعا وهو يدل على
[ ص: 34 ] ترغيب قيام ثلثي الليل .
وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=831496إذا مضى شطر الليل - أو ثلثاه - ينزل الله . . . " الحديث . رواه من طريقين عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هكذا على الشك .
وقد جاء في كتاب النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد - رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866497إن الله - عز وجل - يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ، ثم يأمر مناديا يقول : هل من داع يستجاب له ؟ هل من مستغفر يغفر له ؟ هل من سائل يعطى ؟ صححه
أبو محمد عبد الحق ; فبين هذا الحديث مع صحته معنى النزول ، وأن ذلك يكون عند نصف الليل . وخرج
ابن ماجه من حديث
ابن شهاب ، عن
أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل
nindex.php?page=hadith&LINKID=831497ربنا تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة فيقول من يسألني فأعطيه ؟ من يدعوني فأستجيب له ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ حتى يطلع الفجر . فكانوا
nindex.php?page=treesubj&link=1251يستحبون صلاة آخر الليل على أوله .
قال علماؤنا : وبهذا الترتيب انتظم الحديث والقرآن ، فإنهما يبصران من مشكاة واحدة . وفي الموطأ وغيره من
nindex.php?page=hadith&LINKID=866499حديث ابن عباس : بت عند خالتي ميمونة حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ، استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقام إلى شن معلق فتوضأ وضوءا خفيفا . وذكر الحديث .
[ ص: 35 ] السابعة : اختلف العلماء في
nindex.php?page=treesubj&link=1251الناسخ للأمر بقيام الليل ; فعن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة أن الناسخ للأمر بقيام الليل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل إلى آخر السورة . وقيل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20علم أن لن تحصوه .
وعن
ابن عباس أيضا : هو منسوخ بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20علم أن سيكون منكم مرضى .
وعن
عائشة أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ومقاتل وابن كيسان : هو منسوخ بالصلوات الخمس .
وقيل الناسخ لذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20فاقرؤوا ما تيسر منه . قال
أبو عبد الرحمن السلمي : لما نزلت :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يا أيها المزمل قاموا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم ، ثم نزل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20فاقرؤوا ما تيسر منه . قال بعض العلماء : وهو فرض نسخ به فرض ، كان على النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة لفضله ; كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79ومن الليل فتهجد به نافلة لك .
قلت : القول الأول يعم جميع هذه الأقوال ، وقد قال تعالى : وأقيموا الصلاة فدخل فيها قول من قال إن الناسخ الصلوات الخمس .
وقد ذهب
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=1251صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو على قدر حلب شاة . وعن
الحسن أيضا أنه قال في هذه الآية : الحمد لله تطوع بعد الفريضة . وهو الصحيح إن شاء الله تعالى ; لما جاء في قيامه من الترغيب والفضل في القرآن والسنة .
nindex.php?page=hadith&LINKID=866500وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كنت أجعل للنبي - صلى الله عليه وسلم - حصيرا يصلي عليه من الليل ، فتسامع الناس به ، فلما رأى جماعتهم كره ذلك ، وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل ، فدخل البيت كالمغضب ، فجعلوا يتنحنحون ويتفلون فخرج إليهم فقال : " أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون ، فإن الله لا يمل من الثواب ، حتى تملوا من العمل ، وإن خير العمل أدومه وإن قل " . فنزلت : يا أيها المزمل فكتب عليهم ، فأنزل بمنزلة الفريضة ، حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به ، فمكثوا ثمانية أشهر ، فرحمهم الله وأنزل : إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل فردهم الله إلى الفريضة ، ووضع عنهم قيام الليل إلا ما تطوعوا به .
[ ص: 36 ] قلت : حديث
عائشة هذا ذكره
الثعلبي ، ومعناه ثابت في الصحيح إلى قوله : ( وإن قل ) وباقيه يدل على أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يا أيها المزمل نزل
بالمدينة وأنهم مكثوا ثمانية أشهر يقومون . وقد تقدم عنها في صحيح
مسلم : حولا . وحكى الماوردي عنها قولا ثالثا وهو ستة عشر شهرا ، لم يذكر غيره عنها .
وذكر عن
ابن عباس أنه كان بين أول المزمل وآخرها سنة ; قال : فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان فرضا عليه .
وفي نسخة عنه قولان : أحدهما أنه كان فرضه عليه إلى أن قبضه الله تعالى . الثاني أنه نسخ عنه كما نسخ عن أمته . وفي مدة فرضه إلى أن نسخ قولان : أحدهما : المدة المفروضة على أمته في القولين الماضيين ، يريد قول
ابن عباس حولا ، وقول
عائشة ستة عشر شهرا . الثاني : أنها عشر سنين إلى أن خفف عنه بالنسخ زيادة في التكليف ، ليميزه بفعل الرسالة ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير .
قلت : هذا خلاف ما ذكره
الثعلبي عن
سعيد بن جبير حسب ما تقدم فتأمله . وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في آخر السورة إن شاء الله تعالى .
الثامنة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=4ورتل القرآن ترتيلا أي لا تعجل بقراءة القرآن بل اقرأه في مهل وبيان مع تدبر المعاني . وقال
الضحاك : اقرأه حرفا حرفا .
وقال
مجاهد : أحب الناس في القراءة إلى الله أعقلهم عنه . والترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام ; ومنه ثغر رتل ورتل ، بكسر العين وفتحها : إذا كان حسن التنضيد . وتقدم بيانه في مقدمة الكتاب .
وروى
الحسن nindex.php?page=hadith&LINKID=866501أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر برجل يقرأ آية ويبكي ، فقال : " ألم تسمعوا إلى قول الله - عز وجل - : nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=4ورتل القرآن ترتيلا هذا الترتيل " . وسمع
علقمة رجلا يقرأ قراءة حسنة فقال : لقد رتل القرآن ، فداه أبي وأمي ، وقال
أبو بكر بن طاهر : تدبر في لطائف خطابه ، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه ، وقلبك بفهم معانيه ، وسرك بالإقبال عليه .
وروى
عبد الله بن عمرو قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866502يؤتى بقارئ القرآن يوم القيامة ، فيوقف في أول درج الجنة ويقال له اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها خرجه
أبو داود وقد تقدم في أول الكتاب . وروى
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=866503أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمد صوته بالقراءة مدا .
[ ص: 30 ] سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ
وَهِيَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً . مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ
الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءٍ وَجَابِرٍ .
وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ : إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا : وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَالَّتِي تَلِيهَا ; ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ . وَقَالَ
الثَّعْلَبِيُّ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ; فَإِنَّهُ نَزَلَ
بِالْمَدِينَةِ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=29044nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا
فِيهِ ثَمَانِي مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قَالَ
الْأَخْفَشُ سَعِيدٌ : الْمُزَّمِّلُ أَصْلُهُ الْمُتَزَمِّلُ ; فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الزَّايِ وَكَذَلِكَ الْمُدَّثِّرُ . وَقَرَأَ
أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَلَى الْأَصْلِ ( الْمُتَزَمِّلُ ) وَ ( الْمُتَدَثِّرُ ) .
وَسَعِيدٌ : الْمُزَّمِّلُ . وَفِي أَصْلِ الْمُزَّمِّلِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ الْمُحْتَمِلُ ; يُقَالُ : زَمَلَ الشَّيْءَ إِذَا حَمَلَهُ ، وَمِنْهُ الزَّامِلَةُ ; لِأَنَّهَا تَحْمِلُ الْقُمَاشَ . الثَّانِي : أَنَّ الْمُزَّمِّلَ هُوَ الْمُتَلَفِّفُ ; يُقَالُ : تَزَمَّلَ وَتَدَثَّرَ بِثَوْبِهِ إِذَا تَغَطَّى . وَزَمَّلَ غَيْرَهُ إِذَا غَطَّاهُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ لُفِّفَ فَقَدْ زُمِّلَ وَدُثِّرَ ; قَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ :
[ كَأَنَّ أَبَانَا فِي أَفَانِينَ وَدِقِهِ ] كَبِيرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّلِ
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ هَذَا خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ :
[ ص: 31 ] قَوْلُ
عِكْرِمَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بِالنُّبُوَّةِ وَالْمُلْتَزِمُ لِلرِّسَالَةِ . وَعَنْهُ أَيْضًا : يَا أَيُّهَا الَّذِي زُمِّلَ هَذَا الْأَمْرَ أَيْ حَمَلَهُ ثُمَّ فَتَرَ ، وَكَانَ يَقْرَأُ : يَا أَيُّهَا الْمُزَمَّلُ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِهَا عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ ، وَكَذَلِكَ الْمُدَثَّرُ وَالْمَعْنَى الْمُزَمِّلُ نَفْسَهُ وَالْمُدَثِّرُ نَفْسَهُ ، أَوِ الَّذِي زَمَّلَهُ غَيْرُهُ .
الثَّانِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بِالْقُرْآنِ ، قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ .
الثَّالِثُ الْمُزَّمِّلُ بِثِيَابِهِ ، قَالَ
قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12354النَّخَعِيُّ : كَانَ مُتَزَمِّلًا بِقَطِيفَةٍ .
عَائِشَةُ : بِمِرْطٍ طُولُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا ، نِصْفُهُ عَلَيَّ وَأَنَا نَائِمَةٌ ، وَنِصْفُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي ، وَاللَّهِ مَا كَانَ خَزًّا وَلَا قَزًّا وَلَا مِرْعِزَاءَ وَلَا إِبْرِيسَمًا وَلَا صُوفًا ، كَانَ سَدَاهُ شَعْرًا ، وَلُحْمَتُهُ وَبَرًا ، ذَكَرَهُ
الثَّعْلَبِيُّ .
قُلْتُ : وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ
عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْنِ بِهَا إِلَّا فِي
الْمَدِينَةِ . وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ لَا يَصِحُّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : تَزَمَّلَ بِثِيَابِهِ لِمَنَامِهِ . وَقِيلَ : بَلَغَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سُوءُ قَوْلٍ فِيهِ ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَتَزَمَّلَ فِي ثِيَابِهِ وَتَدَثَّرَ ، فَنَزَلَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=1يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ .
وَقِيلَ : كَانَ هَذَا فِي ابْتِدَاءِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الْمَلَكِ وَنَظَرَ إِلَيْهِ أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ فَأَتَى أَهْلَهُ فَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500546زَمِّلُونِي دَثِّرُونِي " رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَالَتِ الْحُكَمَاءُ : إِنَّمَا خَاطَبَهُ بِالْمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّرِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ ادَّثَرَ شَيْئًا مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ : يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، قِيلَ لَهُ : يَا مَنْ تَلَفَّفَ فِي ثِيَابِهِ أَوْ فِي قَطِيفَتِهِ قُمْ ; قَالَهُ
إِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ . وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمَجَازِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : يَا مَنْ تَزَمَّلَ بِالنُّبُوَّةِ ; قَالَهُ
عِكْرِمَةُ . وَإِنَّمَا يَسُوغُ هَذَا التَّفْسِيرُ لَوْ كَانَتِ الْمِيمُ مَفْتُوحَةً مُشَدَّدَةً بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ، وَأَمَّا وَهُوَ بِلَفْظِ الْفَاعِلِ فَهُوَ بَاطِلٌ .
قُلْتُ : وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ : وَقَدْ قُرِئَ بِهَا ، فَهِيَ صَحِيحَةُ الْمَعْنَى . قَالَ : وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ زُمِّلَ الْقُرْآنَ فَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمَجَازِ ، لَكِنَّهُ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ .
الثَّالِثَةُ : قَالَ
السُّهَيْلِيُّ : لَيْسَ الْمُزَّمِّلُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَمْ يُعْرَفْ بِهِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ وَعَدُّوهُ فِي أَسْمَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَإِنَّمَا الْمُزَّمِّلُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ حَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا حِينَ الْخِطَابِ ، وَكَذَلِكَ الْمُدَّثِّرُ .
وَفِي خِطَابِهِ بِهَذَا الِاسْمِ فَائِدَتَانِ :
إِحْدَاهُمَا الْمُلَاطَفَةُ ;
[ ص: 32 ] فَإِنَّ الْعَرَبَ إِذَا قَصَدَتْ مُلَاطَفَةَ الْمُخَاطَبِ وَتَرْكَ الْمُعَاتَبَةِ سَمَّوْهُ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنْ حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا ; كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِعَلِيٍّ حِينَ غَاضَبَ
فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ، فَأَتَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ وَقَدْ لَصِقَ بِجَنْبِهِ التُّرَابُ فَقَالَ لَهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=831492قُمْ يَا أَبَا تُرَابٍ " إِشْعَارًا لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ عَاتِبٍ عَلَيْهِ ، وَمُلَاطَفَةً لَهُ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
لِحُذَيْفَةَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=831493قُمْ يَا نَوْمَانُ " وَكَانَ نَائِمًا مُلَاطَفَةَ لَهُ ، وَإِشْعَارًا لِتَرْكِ الْعَتْبِ وَالتَّأْنِيبِ . فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ فِيهِ تَأْنِيسٌ وَمُلَاطَفَةٌ ; لِيَسْتَشْعِرَ أَنَّهُ غَيْرُ عَاتِبٍ عَلَيْهِ .
وَالْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=1252التَّنْبِيهُ لِكُلِّ مُتَزَمِّلٍ رَاقِدٍ لَيْلَهُ لِيَتَنَبَّهَ إِلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ ; لِأَنَّ الِاسْمَ الْمُشْتَقَّ مِنَ الْفِعْلِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَعَ الْمُخَاطَبِ كُلُّ مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَاتَّصَفَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ .
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=2قُمِ اللَّيْلَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَقَرَأَ
أَبُو السَّمَّالِ بِضَمِّ الْمِيمِ إِتْبَاعًا لِضَمَّةِ الْقَافِ . وَحَكَى الْفَتْحَ لِخِفَّتِهِ . قَالَ
عُثْمَانُ بْنُ جِنِّيٍّ : الْغَرَضُ بِهَذِهِ الْحَرَكَةِ التَّبْلِيغُ بِهَا هَرَبًا مِنَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ، فَبِأَيِ حَرَكَةٍ تَحَرَّكَتْ فَقَدْ وَقَعَ الْغَرَضُ . وَهُوَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْقَاصِرَةِ غَيْرِ الْمُتَعَدِّيَةِ إِلَى مَفْعُولٍ ، فَأَمَّا ظَرْفُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَسَائِغٌ فِيهِ ، إِلَّا أَنَّ ظَرْفَ الْمَكَانِ لَا يُتَعَدَّى إِلَيْهِ إِلَّا بِوَاسِطَةٍ ; لَا تَقُولُ : قُمْتُ الدَّارَ حَتَّى تَقُولَ قُمْتُ وَسَطَ الدَّارِ وَخَارِجَ الدَّارِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ( قُمْ ) هُنَا مَعْنَاهُ صَلِّ ; عُبِّرَ بِهِ عَنْهُ وَاسْتُعِيرَ لَهُ حَتَّى صَارَ عُرْفًا بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ .
الْخَامِسَةُ : ( اللَّيْلَ ) حَدُّ اللَّيْلِ : مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ ( الْبَقَرَةِ ) وَاخْتُلِفَ :
nindex.php?page=treesubj&link=23660هَلْ كَانَ قِيَامُهُ فَرْضًا وَحَتْمًا ، أَوْ كَانَ نَدْبًا وَحَضًّا ؟ وَالدَّلَائِلُ تُقَوِّي أَنَّ قِيَامَهُ كَانَ حَتْمًا وَفَرْضًا ; وَذَلِكَ أَنَّ النَّدْبَ وَالْحَضَّ لَا يَقَعُ عَلَى بَعْضِ اللَّيْلِ دُونَ بَعْضٍ ; لِأَنَّ قِيَامَهُ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِهِ وَقْتٌ دُونَ وَقْتٍ . وَأَيْضًا فَقَدْ جَاءَ التَّوْقِيتُ بِذَلِكَ عَنْ
عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا عَلَى مَا يَأْتِي . وَاخْتُلِفَ أَيْضًا :
nindex.php?page=treesubj&link=23660هَلْ كَانَ فَرْضًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ ، أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ إِلَيْهِ خَاصَّةً .
الثَّانِي : قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ فَرِيضَةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ .
الثَّالِثُ : قَوْلُ
عَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ ; كَمَا فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى nindex.php?page=hadith&LINKID=3500547أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . . . الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : فَقُلْتُ [ ص: 33 ] nindex.php?page=showalam&ids=25لِعَائِشَةَ : أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ فَقَالَتْ : أَلَسْتَ تَقْرَأُ : يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُلْتُ : بَلَى ! قَالَتْ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ ، فَقَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا ، وَأَمْسَكَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ وَيَعْلَى قَالَا : حَدَّثَنَا
مِسْعَرٌ عَنْ
سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ
ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَمَّا أُنْزِلَ أَوَّلُ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَزَلَ آخِرُهَا ، وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا نَحْوٌ مِنْ سَنَةٍ .
وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : مَكَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ عَشْرَ سِنِينَ يَقُومُونَ اللَّيْلَ ، فَنَزَلَ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : إِلَّا قَلِيلًا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ اللَّيْلِ ، أَيْ صَلِّ اللَّيْلَ كُلَّهُ إِلَّا يَسِيرًا مِنْهُ ; لِأَنَّ قِيَامَ جَمِيعِهِ عَلَى الدَّوَامِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، فَاسْتَثْنَى مِنْهُ الْقَلِيلَ لِرَاحَةِ الْجَسَدِ . وَالْقَلِيلُ مِنَ الشَّيْءِ مَا دُونَ النِّصْفِ ; فَحُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ : الْقَلِيلُ مَا دُونَ الْمِعْشَارِ وَالسُّدُسِ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ : الثُّلُثُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=3نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا فَكَانَ ذَلِكَ تَخْفِيفًا إِذْ لَمْ يَكُنْ زَمَانُ الْقِيَامِ مَحْدُودًا ، فَقَامَ النَّاسُ حَتَّى وَرِمَتْ أَقْدَامُهُمْ ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ .
وَقَالَ
الْأَخْفَشُ : ( نِصْفَهُ ) أَيْ أَوْ نِصْفَهُ ; يُقَالُ : أَعْطِهِ دِرْهَمًا دِرْهَمَيْنِ ثَلَاثَةً : يُرِيدُ : أَوْ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً .
وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : نِصْفَهُ بَدَلٌ مِنَ اللَّيْلِ وَ ( إِلَّا قَلِيلًا ) اسْتِثْنَاءٌ مِنَ النِّصْفِ . وَالضَّمِيرُ فِي ( مِنْهُ ) وَ ( عَلَيْهِ ) لِلنِّصْفِ . الْمَعْنَى : قُمْ نِصْفَ اللَّيْلِ أَوِ انْقُصْ مِنَ النِّصْفِ قَلِيلًا إِلَى الثُّلُثِ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ قَلِيلًا إِلَى الثُّلُثَيْنِ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ : قُمْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ ثُلُثَهُ .
وَقِيلَ : إِنَّ نِصْفَهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ : قَلِيلًا وَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثٍ : بَيْنَ قِيَامِ النِّصْفِ بِتَمَامِهِ ، وَبَيْنَ النَّاقِصِ مِنْهُ ، وَبَيْنَ قِيَامِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ ; كَأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ : قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا نِصْفَهُ ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِ .
وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831495يَنْزِلُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ ، فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيهِ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ . وَنَحْوَهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ جَمِيعًا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى
[ ص: 34 ] تَرْغِيبِ قِيَامِ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ .
وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=831496إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ - أَوْ ثُلُثَاهُ - يَنْزِلُ اللَّهُ . . . " الْحَدِيثَ . رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ .
وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866497إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يُمْهِلُ حَتَّى يَمْضِيَ شَطْرُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يَقُولُ : هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى ؟ صَحَّحَهُ
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ ; فَبَيَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ صِحَّتِهِ مَعْنَى النُّزُولِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ . وَخَرَّجَ
ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : يَنْزِلُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=831497رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَقُولُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ . فَكَانُوا
nindex.php?page=treesubj&link=1251يَسْتَحِبُّونَ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى أَوَّلِهِ .
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَبِهَذَا التَّرْتِيبِ انْتَظَمَ الْحَدِيثُ وَالْقُرْآنُ ، فَإِنَّهُمَا يُبْصِرَانِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ . وَفِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ مِنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=866499حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةٍ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
[ ص: 35 ] السَّابِعَةُ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=1251النَّاسِخِ لِلْأَمْرِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ; فَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةَ أَنَّ النَّاسِخَ لِلْأَمْرِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ . وَقِيلَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ .
وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا : هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى .
وَعَنْ
عَائِشَةَ أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ وَمُقَاتِلٍ وَابْنِ كَيْسَانَ : هُوَ مَنْسُوخٌ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ .
وَقِيلَ النَّاسِخُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ . قَالَ
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ : لَمَّا نَزَلَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قَامُوا حَتَّى وَرِمَتْ أَقْدَامُهُمْ وَسُوقُهُمْ ، ثُمَّ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ . قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : وَهُوَ فَرْضٌ نُسِخَ بِهِ فَرْضٌ ، كَانَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً لِفَضْلِهِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ .
قُلْتُ : الْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَعُمُّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ فَدَخَلَ فِيهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ النَّاسِخَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ .
وَقَدْ ذَهَبَ
الْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=16972وَابْنُ سِيرِينَ إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1251صَلَاةَ اللَّيْلِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَلَوْ عَلَى قَدْرِ حَلْبِ شَاةٍ . وَعَنِ
الْحَسَنِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ تَطَوُّعٌ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ . وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ; لِمَا جَاءَ فِي قِيَامِهِ مِنَ التَّرْغِيبِ وَالْفَضْلِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=866500وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : كُنْتُ أَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَصِيرًا يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ ، فَتَسَامَعَ النَّاسُ بِهِ ، فَلَمَّا رَأَى جَمَاعَتَهُمْ كَرِهَ ذَلِكَ ، وَخَشِيَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ قِيَامُ اللَّيْلِ ، فَدَخَلَ الْبَيْتَ كَالْمُغْضَبِ ، فَجَعَلُوا يَتَنَحْنَحُونَ وَيَتْفُلُونَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ اكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ مِنَ الثَّوَابِ ، حَتَّى تَمَلُّوا مِنَ الْعَمَلِ ، وَإِنَّ خَيْرَ الْعَمَلِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ " . فَنَزَلَتْ : يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ فَكُتِبَ عَلَيْهِمْ ، فَأُنْزِلَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرِيضَةِ ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَرْبِطُ الْحَبْلَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ ، فَمَكَثُوا ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ ، فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَنْزَلَ : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ فَرَدَّهُمُ اللَّهُ إِلَى الْفَرِيضَةِ ، وَوَضَعَ عَنْهُمْ قِيَامَ اللَّيْلِ إِلَّا مَا تَطَوَّعُوا بِهِ .
[ ص: 36 ] قُلْتُ : حَدِيثُ
عَائِشَةَ هَذَا ذَكَرَهُ
الثَّعْلَبِيُّ ، وَمَعْنَاهُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ إِلَى قَوْلِهِ : ( وَإِنْ قَلَّ ) وَبَاقِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ نَزَلَ
بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّهُمْ مَكَثُوا ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ يَقُومُونَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهَا فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ : حَوْلًا . وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهَا قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ عَنْهَا .
وَذُكِرَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَوَّلِ الْمُزَّمِّلِ وَآخِرِهَا سَنَةٌ ; قَالَ : فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ .
وَفِي نُسْخَةٍ عَنْهُ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ فَرَضَهُ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى . الثَّانِي أَنَّهُ نُسِخَ عَنْهُ كَمَا نُسِخَ عَنْ أُمَّتِهِ . وَفِي مُدَّةِ فَرْضِهِ إِلَى أَنْ نُسِخَ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : الْمُدَّةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَى أُمَّتِهِ فِي الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ ، يُرِيدُ قَوْلَ
ابْنِ عَبَّاسٍ حَوْلًا ، وَقَوْلَ
عَائِشَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا . الثَّانِي : أَنَّهَا عَشْرُ سِنِينَ إِلَى أَنْ خُفِّفَ عَنْهُ بِالنَّسْخِ زِيَادَةً فِي التَّكْلِيفِ ، لِيُمَيِّزَهُ بِفِعْلِ الرِّسَالَةِ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابْنُ جُبَيْرٍ .
قُلْتُ : هَذَا خِلَافَ مَا ذَكَرَهُ
الثَّعْلَبِيُّ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ حَسْبَ مَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ . وَسَيَأْتِي لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي آخِرِ السُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
الثَّامِنَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=4وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا أَيْ لَا تَعْجَلْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بَلِ اقْرَأْهُ فِي مَهَلٍ وَبَيَانٍ مَعَ تَدَبُّرِ الْمَعَانِي . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : اقْرَأْهُ حَرْفًا حَرْفًا .
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : أَحَبُّ النَّاسِ فِي الْقِرَاءَةِ إِلَى اللَّهِ أَعْقَلُهُمْ عَنْهُ . وَالتَّرْتِيلُ التَّنْضِيدُ وَالتَّنْسِيقُ وَحُسْنُ النِّظَامِ ; وَمِنْهُ ثَغْرٌ رَتِلٌ وَرَتَلٌ ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا : إِذَا كَانَ حَسَنَ التَّنْضِيدِ . وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ .
وَرَوَى
الْحَسَنُ nindex.php?page=hadith&LINKID=866501أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِرَجُلٍ يَقْرَأُ آيَةً وَيَبْكِي ، فَقَالَ : " أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=4وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا هَذَا التَّرْتِيلُ " . وَسَمِعَ
عَلْقَمَةُ رَجُلًا يَقْرَأُ قِرَاءَةً حَسَنَةً فَقَالَ : لَقَدْ رَتَّلَ الْقُرْآنَ ، فِدَاهُ أَبِي وَأُمِّي ، وَقَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ : تَدَبَّرْ فِي لَطَائِفِ خِطَابِهِ ، وَطَالِبْ نَفْسَكَ بِالْقِيَامِ بِأَحْكَامِهِ ، وَقَلْبَكَ بِفَهْمِ مَعَانِيهِ ، وَسِرَّكَ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ .
وَرَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866502يُؤْتَى بِقَارِئِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُوقَفُ فِي أَوَّلِ دَرَجِ الْجَنَّةِ وَيُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا خَرَّجَهُ
أَبُو دَاوُدَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ . وَرَوَى
أَنَسٌ nindex.php?page=hadith&LINKID=866503أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ مَدًّا .