nindex.php?page=treesubj&link=29044قوله تعالى : واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8واذكر اسم ربك أي ادعه بأسمائه الحسنى ، ليحصل لك مع الصلاة محمود العاقبة . وقيل : أي اقصد بعملك وجه ربك ، وقال
سهل : اقرأ باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك توصلك بركة قراءتها إلى ربك ، وتقطعك عما سواه . وقيل : اذكر اسم ربك في وعده ووعيده ، لتوفر على طاعته وتعدل عن معصيته . وقال
الكلبي : صل لربك أي بالنهار .
[ ص: 42 ] قلت : وهذا حسن فإنه لما ذكر الليل ذكر النهار ; إذ هو قسيمه ; وقد قال الله تعالى : وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر على ما تقدم .
الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وتبتل إليه تبتيلا التبتل : الانقطاع إلى عبادة الله - عز وجل - ; أي انقطع بعبادتك إليه ، ولا تشرك به غيره . يقال : بتلت الشيء أي قطعته ، ومنه قولهم : طلقها بتة بتلة ، وهذه صدقة بتة بتلة ; أي بائنة منقطعة عن صاحبها ، أي قطع ملكه عنها بالكلية ; ومنه
مريم البتول لانقطاعها إلى الله تعالى ، ويقال للراهب متبتل ; لانقطاعه عن الناس ، وانفراده بالعبادة ، قال :
تضيء الظلام بالعشاء كأنها منارة ممسى راهب متبتل
وفي الحديث النهي عن التبتل ، وهو الانقطاع عن الناس والجماعات . وقيل : إن أصله عند العرب التفرد ; قاله
ابن عرفة . والأول أقوى لما ذكرنا . ويقال : كيف قال : تبتيلا ، ولم يقل تبتلا ؟ قيل له : لأن معنى تبتل بتل نفسه ، فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل .
الثالثة : قد مضى في ( المائدة ) في تفسير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم كراهة لمن تبتل وانقطع وسلك سبيل الرهبانية بما فيه كفاية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وأما اليوم وقد مرجت عهود الناس ، وخفت أماناتهم ، واستولى الحرام على الحطام ، فالعزلة خير من الخلطة ، والعزبة أفضل من التأهل ، ولكن معنى الآية : انقطع عن الأوثان والأصنام وعن عبادة غير الله ، وكذلك قال
مجاهد : معناه : أخلص له العبادة ، ولم يرد التبتل ، فصار التبتل مأمورا به في القرآن ، منهيا عنه في السنة ، ومتعلق الأمر غير متعلق النهي ; فلا يتناقضان ، وإنما بعث ليبين للناس ما نزل إليهم ; فالتبتل المأمور به : الانقطاع إلى الله
nindex.php?page=treesubj&link=30416_19696بإخلاص العبادة ; كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين nindex.php?page=treesubj&link=26821والتبتل المنهي عنه : هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والترهب في الصوامع ، لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن .
nindex.php?page=treesubj&link=29044قَوْلُهُ تَعَالَى : وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ أَيِ ادْعُهُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ، لِيَحْصُلَ لَكَ مَعَ الصَّلَاةِ مَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ . وَقِيلَ : أَيِ اقْصِدْ بِعَمَلِكَ وَجْهَ رَبِّكَ ، وَقَالَ
سَهْلٌ : اقْرَأْ بِاسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي ابْتِدَاءِ صَلَاتِكَ تُوَصِّلُكَ بَرَكَةُ قِرَاءَتِهَا إِلَى رَبِّكَ ، وَتَقْطَعُكَ عَمَّا سِوَاهُ . وَقِيلَ : اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ فِي وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ ، لِتَوَفَّرَ عَلَى طَاعَتِهِ وَتَعْدِلَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : صَلِّ لِرَبِّكَ أَيْ بِالنَّهَارِ .
[ ص: 42 ] قُلْتُ : وَهَذَا حَسَنٌ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ اللَّيْلَ ذَكَرَ النَّهَارَ ; إِذْ هُوَ قَسِيمُهُ ; وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا التَّبَتُّلُ : الِانْقِطَاعُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ; أَيِ انْقَطِعْ بِعِبَادَتِكَ إِلَيْهِ ، وَلَا تُشْرِكْ بِهِ غَيْرَهُ . يُقَالُ : بَتَلْتُ الشَّيْءَ أَيْ قَطَعْتُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : طَلَّقَهَا بَتَّةً بَتْلَةً ، وَهَذِهِ صَدَقَةٌ بَتَّةٌ بَتْلَةٌ ; أَيْ بَائِنَةٌ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ صَاحِبِهَا ، أَيْ قُطِعَ مِلْكُهُ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ ; وَمِنْهُ
مَرْيَمُ الْبَتُولُ لِانْقِطَاعِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَيُقَالُ لِلرَّاهِبِ مُتَبَتِّلٌ ; لِانْقِطَاعِهِ عَنِ النَّاسِ ، وَانْفِرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ ، قَالَ :
تُضِيءُ الظَّلَامَ بِالْعِشَاءِ كَأَنَّهَا مَنَارَةُ مُمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ
وَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ التَّبَتُّلِ ، وَهُوَ الِانْقِطَاعُ عَنِ النَّاسِ وَالْجَمَاعَاتِ . وَقِيلَ : إِنَّ أَصْلَهُ عِنْدَ الْعَرَبِ التَّفَرُّدُ ; قَالَهُ
ابْنُ عَرَفَةَ . وَالْأَوَّلُ أَقْوَى لِمَا ذَكَرْنَا . وَيُقَالُ : كَيْفَ قَالَ : تَبْتِيلًا ، وَلَمْ يَقُلْ تَبَتُّلًا ؟ قِيلَ لَهُ : لِأَنَّ مَعْنَى تَبَتَّلَ بَتَّلَ نَفْسَهُ ، فَجِيءَ بِهِ عَلَى مَعْنَاهُ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْفَوَاصِلِ .
الثَّالِثَةُ : قَدْ مَضَى فِي ( الْمَائِدَةِ ) فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ كَرَاهَةً لِمَنْ تَبَتَّلَ وَانْقَطَعَ وَسَلَكَ سَبِيلَ الرَّهْبَانِيَّةِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَأَمَّا الْيَوْمُ وَقَدْ مَرِجَتْ عُهُودُ النَّاسِ ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ ، وَاسْتَوْلَى الْحَرَامُ عَلَى الْحُطَامِ ، فَالْعُزْلَةُ خَيْرٌ مِنَ الْخُلْطَةِ ، وَالْعُزْبَةُ أَفْضَلُ مِنَ التَّأَهُّلِ ، وَلَكِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ : انْقَطِعْ عَنِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ وَعَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ ، وَكَذَلِكَ قَالَ
مُجَاهِدٌ : مَعْنَاهُ : أَخْلِصْ لَهُ الْعِبَادَةَ ، وَلَمْ يُرِدِ التَّبَتُّلَ ، فَصَارَ التَّبَتُّلُ مَأْمُورًا بِهِ فِي الْقُرْآنِ ، مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي السُّنَّةِ ، وَمُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُتَعَلِّقِ النَّهْيِ ; فَلَا يَتَنَاقَضَانِ ، وَإِنَّمَا بُعِثَ لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ; فَالتَّبَتُّلُ الْمَأْمُورُ بِهِ : الِانْقِطَاعُ إِلَى اللَّهِ
nindex.php?page=treesubj&link=30416_19696بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ nindex.php?page=treesubj&link=26821وَالتَّبَتُّلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ : هُوَ سُلُوكُ مَسْلَكَ النَّصَارَى فِي تَرْكِ النِّكَاحِ وَالتَّرَهُّبِ فِي الصَّوَامِعِ ، لَكِنَّ عِنْدَ فَسَادِ الزَّمَانِ يَكُونُ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ .