[ ص: 72 ] قوله تعالى : سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر
أي سأدخله سقر كي يصلى حرها . وإنما سميت سقر من سقرته الشمس : إذا أذابته ولوحته ، وأحرقت جلدة وجهه . ولا ينصرف للتعريف والتأنيث . قال قوله تعالى : سأصليه سقر ابن عباس : هي الطبق السادس من جهنم . وروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أبو هريرة سأل موسى ربه فقال : أي رب ، أي عبادك أفقر ؟ قال صاحب سقر " ذكره الثعلبي وما أدراك ما سقر هذه مبالغة في وصفها ; أي وما أعلمك أي شيء هي ؟ وهي كلمة تعظيم ، ثم فسر حالها فقال : لا تبقي ولا تذر أي لا تترك لهم عظما ولا لحما ولا دما إلا أحرقته . وكرر اللفظ تأكيدا . وقيل : لا تبقي منهم شيئا ثم يعادون خلقا جديدا ، فلا تذر أن تعاود إحراقهم هكذا أبدا .
وقال مجاهد : لا تبقي من فيها حيا ولا تذره ميتا ، تحرقهم كلما جددوا . وقال : لا تبقي لهم لحما ولا تذر لهم عظما السدي لواحة للبشر أي مغيرة من لاحه إذا غيره . وقراءة العامة ( لواحة ) بالرفع نعت ل ( سقر ) في قوله تعالى : وما أدراك ما سقر . وقرأ عطية العوفي ونصر بن عاصم وعيسى بن عمر ( لواحة ) بالنصب على الاختصاص ، للتهويل . وقال أبو رزين : تلفح وجوههم لفحة تدعها أشد سوادا من الليل ; وقاله مجاهد . والعرب تقول : لاحه البرد والحر والسقم والحزن : إذا غيره ، ومنه قول الشاعر :
تقول ما لاحك يا مسافر يا بنة عمي لاحني الهواجر وقال آخر :
وتعجب هند أن رأتني شاحبا تقول لشيء لوحته السمائم وقال : رؤبة بن العجاج
لوح منه بعد بدن وسنق تلويحك الضامر يطوى للسبق وقيل : إن اللوح شدة العطش ; يقال : لاحه العطش ولوحه أي غيره . والمعنى أنها معطشة للبشر أي لأهلها ; قاله الأخفش ; وأنشد :
[ ص: 73 ] سقتني على لوح من الماء شربة سقاها بها الله الرهام الغواديا
يعني باللوح شدة العطش ، والتاح أي عطش ، والرهام جمع رهمة بالكسر وهي المطر الضعيف وأرهمت السحابة أتت بالرهام .
وقال ابن عباس : ( لواحة ) أي تلوح للبشر من مسيرة خمسمائة عام . الحسن وابن كيسان : تلوح لهم جهنم حتى يروها عيانا . نظيره : وبرزت الجحيم للغاوين وفي البشر وجهان : أحدهما أنه الإنس من أهل النار ; قاله الأخفش والأكثرون . الثاني أنه جمع بشرة ، وهي جلدة الإنسان الظاهرة ; قاله مجاهد وقتادة ، وجمع البشر أبشار ، وهذا على التفسير الأول ، وأما على تفسير ابن عباس فلا يستقيم فيه إلا الناس لا الجلود ; لأنه من لاح الشيء يلوح ، إذا لمع .