[ ص: 106 ] سورة الإنسان
وهي إحدى وثلاثون آية
مكية في قول
ابن عباس ومقاتل والكلبي . وقال الجمهور : مدنية . وقيل : فيها مكي ، من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=23إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا إلى آخر السورة ، وما تقدمه مدني . وذكر
ابن وهب قال : وحدثنا
ابن زيد قال :
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقرأ : nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر وقد أنزلت عليه وعنده رجل أسود كان يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له عمر بن الخطاب : لا تثقل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " دعه يا بن الخطاب " قال : فنزلت عليه هذه السورة وهو عنده ، فلما قرأها عليه وبلغ صفة الجنان زفر زفرة فخرجت نفسه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أخرج نفس صاحبكم - أو أخيكم - الشوق إلى الجنة وروي عن
ابن عمر بخلاف هذا اللفظ ، وسيأتي . وقال
القشيري : إن هذه السورة نزلت في
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - . والمقصود من السورة عام . وهكذا القول في كل ما يقال إنه نزل بسبب كذا وكذا .
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا nindex.php?page=treesubj&link=29047قوله تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا هل : بمعنى قد ; قاله
الكسائي والفراء وأبو عبيدة . وقد حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه هل بمعنى قد . قال
[ ص: 107 ] الفراء : هل تكون جحدا ، وتكون خبرا ، فهذا من الخبر ; لأنك تقول : هل أعطيتك ؟ تقرره بأنك أعطيته . والجحد أن تقول : هل يقدر أحد على مثل هذا ؟ وقيل : هي بمنزلة الاستفهام ، والمعنى : أتى . والإنسان هنا
آدم - عليه السلام - ، قاله
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . وروي عن
ابن عباس : حين من الدهر قال
ابن عباس في رواية
أبي صالح : أربعون سنة مرت به ، قبل أن ينفخ فيه الروح ، وهو ملقى بين
مكة والطائف وعين
ابن عباس أيضا في رواية
الضحاك أنه خلق من طين ، فأقام أربعين سنة ، ثم من حمإ مسنون أربعين سنة ، ثم من صلصال أربعين سنة ، فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة . وزاد
ابن مسعود فقال : أقام وهو من تراب أربعين سنة ، فتم خلقه بعد مائة وستين سنة ، ثم نفخ فيه الروح .
وقيل : الحين المذكور هاهنا : لا يعرف مقداره عن
ابن عباس أيضا ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . لم يكن شيئا مذكورا قال
الضحاك عن
ابن عباس : لا في السماء ولا في الأرض . وقيل : أي كان جسدا مصورا ترابا وطينا ، لا يذكر ولا يعرف ، ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد به ، ثم نفخ فيه الروح ، فصار مذكورا ; قاله
الفراء وقطرب وثعلب .
وقال
يحيى بن سلام : لم يكن شيئا مذكورا في الخلق وإن كان عند الله شيئا مذكورا . وقيل : ليس هذا الذكر بمعنى الإخبار ، فإن إخبار الرب عن الكائنات قديم ، بل هذا الذكر بمعنى الخطر والشرف والقدر ; تقول : فلان مذكور أي له شرف وقدر . وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك . أي قد أتى على الإنسان حين لم يكن له قدر عند الخليقة . ثم لما عرف الله الملائكة أنه جعل
آدم خليفة ، وحمله الأمانة التي عجز عنها السماوات والأرض والجبال ، ظهر فضله على الكل ، فصار مذكورا . قال
القشيري : وعلى الجملة ما كان مذكورا للخلق ، وإن كان مذكورا لله . وحكى
محمد بن الجهم عن
الفراء :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1لم يكن شيئا قال : كان شيئا ولم يكن مذكورا . وقال قوم : النفي يرجع إلى الشيء ; أي قد مضى مدد من الدهر
وآدم لم يكن شيئا يذكر في الخليقة ; لأنه آخر ما خلقه من أصناف الخليقة ، والمعدوم ليس بشيء حتى يأتي عليه حين . والمعنى : قد مضت عليه أزمنة وما كان
آدم شيئا ولا مخلوقا ولا مذكورا لأحد من الخليقة . وهذا معنى قول
قتادة ومقاتل : قال
قتادة : إنما خلق الإنسان حديثا ما نعلم من خليقة الله - جل ثناؤه - خليقة كانت بعد الإنسان . وقال
مقاتل : في الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره : هل أتى حين من الدهر لم يكن الإنسان شيئا مذكورا ; لأنه خلقه بعد خلق الحيوان كله ، ولم يخلق بعده حيوانا .
وقد قيل : ( الإنسان ) في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين عني به الجنس من ذرية
آدم ، وأن الحين تسعة أشهر ،
nindex.php?page=treesubj&link=27758مدة حمل الإنسان في بطن أمه لم يكن شيئا مذكورا : إذ كان علقة ومضغة ; لأنه في هذه الحالة جماد لا خطر له .
وقال
أبو بكر - رضي الله عنه - لما قرأ هذه الآية : ليتها تمت فلا نبتلى . أي ليت المدة التي أتت على
آدم لم
[ ص: 108 ] تكن شيئا مذكورا تمت على ذلك ، فلا يلد ولا يبتلى أولاده . وسمع
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلا يقرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فقال ليتها تمت .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان أي ابن
آدم من غير خلاف من نطفة أي من ماء يقطر وهو المني ، وكل ماء قليل في وعاء فهو نطفة ; كقول
عبد الله بن رواحة يعاتب نفسه :
مالي أراك تكرهين الجنه هل أنت إلا نطفة في شنه
وجمعها : نطف ونطاف . أمشاج أخلاط . واحدها : مشج ومشيج ، مثل خدن وخدين ; قال :
رؤبة :
يطرحن كل معجل نشاج لم يكس جلدا في دم أمشاج
ويقال : مشجت هذا بهذا أي خلطته ، فهو ممشوج ومشيج ; مثل : مخلوط وخليط . وقال
المبرد : واحد الأمشاج : مشيج ; يقال : مشج يمشج : إذا خلط ، وهو هنا اختلاط النطفة بالدم ; قال
الشماخ :
طوت أحشاء مرتجة لوقت على مشج سلالته مهين
وقال
الفراء : أمشاج : أخلاط ماء الرجل وماء المرأة ، والدم والعلقة . ويقال للشيء من هذا إذا خلط : مشيج كقولك خليط ، وممشوج كقولك مخلوط . وروي عن
ابن عباس - رضي الله عنه - قال : الأمشاج : الحمرة في البياض ، والبياض في الحمرة . وهذا قول يختاره كثير من أهل اللغة ; قال
الهذلي :
كأن الريش والفوقين منه خلاف النصل سيط به مشيج
وعن
ابن عباس أيضا قال : يختلط ماء الرجل وهو أبيض غليظ بماء المرأة وهو أصفر رقيق فيخلق منهما الولد ، فما كان من عصب وعظم وقوة فهو من ماء الرجل ، وما كان من لحم ودم وشعر فهو من ماء المرأة . وقد روي هذا مرفوعا ; ذكره
البزار . وروي عن
ابن مسعود : أمشاجها عروق المضغة . وعنه : ماء الرجل وماء المرأة وهما لونان . وقال
مجاهد : نطفة الرجل بيضاء وحمراء ، ونطفة المرأة خضراء وصفراء . وقال
ابن عباس : خلق من ألوان ; خلق من تراب ، ثم من ماء الفرج والرحم ، وهي نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظم ثم لحم . ونحوه قال
[ ص: 109 ] قتادة : هي
nindex.php?page=treesubj&link=32405_32688أطوار الخلق : طور علقة وطور مضغة وطور عظام ثم يكسو العظام لحما ; كما قال في سورة ( المؤمنون )
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين الآية .
وقال
ابن السكيت : الأمشاج الأخلاط ; لأنها ممتزجة من أنواع فخلق الإنسان منها ذا طبائع مختلفة . وقال أهل المعاني : الأمشاج ما جمع وهو في معنى الواحد ; لأنه نعت للنطفة ; كما يقال : برمة أعشار وثوب أخلاق . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب الأنصاري قال :
جاء حبر من اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أخبرني عن ماء الرجل وماء المرأة ؟ فقال : ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فإذا علا ماء المرأة آنثت وإذا علا ماء الرجل أذكرت ، فقال الحبر : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . وقد مضى هذا القول مستوفى في سورة ( البقرة ) .
نبتليه أي نختبره . وقيل : نقدر فيه الابتلاء وهو الاختبار . وفيما يختبر به وجهان : أحدهما : نختبره بالخير والشر ; قاله
الكلبي . الثاني : نختبر شكره في السراء وصبره في الضراء ; قاله
الحسن . وقيل : نبتليه نكلفه . وفيه أيضا وجهان : أحدهما : بالعمل بعد الخلق ; قاله
مقاتل . الثاني : بالدين ليكون مأمورا بالطاعة ومنهيا عن المعاصي . وروي عن
ابن عباس : نبتليه : نصرفه خلقا بعد خلق ; لنبتليه بالخير والشر . وحكى
محمد بن الجهم عن
الفراء قال : المعنى والله أعلم
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه ، وهي مقدمة معناها التأخير .
قلت : لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخلقة وقيل : جعلناه سميعا بصيرا : يعني جعلنا له سمعا يسمع به الهدى ، وبصرا يبصر به الهدى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إنا هديناه السبيل أي بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال ، والخير والشر ببعث الرسل ، فآمن أو كفر ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وهديناه النجدين . وقال
مجاهد : أي بينا له السبيل إلى الشقاء والسعادة . وقال
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : السبيل هنا خروجه من الرحم . وقيل : منافعه ومضاره التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله .
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إما شاكرا وإما كفورا أي أيهما فعل فقد بينا له . قال الكوفيون : إن هاهنا تكون جزاء و ( ما ) زائدة أي بينا له الطريق إن شكر أو كفر . واختاره
الفراء ولم يجزه البصريون ; إذ لا تدخل إن للجزاء على الأسماء إلا أن يضمر بعدها فعل . وقيل : أي هديناه الرشد ، أي بينا له سبيل التوحيد بنصب الأدلة عليه ; ثم إن خلقنا له الهداية اهتدى وآمن ، وإن خذلناه كفر . وهو كما تقول : قد نصحت لك ، إن شئت فاقبل ، وإن شئت فاترك ; أي فإن شئت ، فتحذف الفاء . وكذا
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إما شاكرا والله أعلم .
[ ص: 110 ] ويقال : هديته السبيل وللسبيل وإلى السبيل . وقد تقدم في ( الفاتحة ) وغيرها . وجمع بين الشاكر والكفور ، ولم يجمع بين الشكور والكفور مع اجتماعهما في معنى المبالغة ; نفيا للمبالغة في الشكر وإثباتا لها في الكفر ; لأن شكر الله تعالى لا يؤدى ، فانتفت عنه المبالغة ، ولم تنتف عن الكفر المبالغة ، فقل شكره ، لكثرة النعم عليه وكثرة كفره وإن قل مع الإحسان إليه . حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي .
[ ص: 106 ] سُورَةُ الْإِنْسَانِ
وَهِيَ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ آيَةً
مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ : مَدَنِيَّةٌ . وَقِيلَ : فِيهَا مَكِّيٌّ ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=23إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ، وَمَا تَقَدَّمَهُ مَدَنِيٌّ . وَذَكَرَ
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : وَحَدَّثَنَا
ابْنُ زَيْدٍ قَالَ :
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَقْرَأُ : nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ أَسْوَدُ كَانَ يَسْأَلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لَا تُثْقِلْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ : " دَعْهُ يَا بْنَ الْخَطَّابِ " قَالَ : فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ وَهُوَ عِنْدُهُ ، فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِ وَبَلَغَ صِفَةَ الْجِنَانِ زَفَرَ زَفْرَةً فَخَرَجَتْ نَفْسُهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَخْرَجَ نَفْسَ صَاحِبِكُمْ - أَوْ أَخِيكُمْ - الشَّوْقُ إِلَى الْجَنَّةِ وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ بِخِلَافِ هَذَا اللَّفْظِ ، وَسَيَأْتِي . وَقَالَ
الْقُشَيْرِيُّ : إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ فِي
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . وَالْمَقْصُودُ مِنَ السُّورَةِ عَامٌّ . وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا يُقَالُ إِنَّهُ نَزَلَ بِسَبَبِ كَذَا وَكَذَا .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا nindex.php?page=treesubj&link=29047قَوْلُهُ تَعَالَى : هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا هَلْ : بِمَعْنَى قَدْ ; قَالَهُ
الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهَ هَلْ بِمَعْنَى قَدْ . قَالَ
[ ص: 107 ] الْفَرَّاءُ : هَلْ تَكُونُ جَحْدًا ، وَتَكُونُ خَبَرًا ، فَهَذَا مِنَ الْخَبَرِ ; لِأَنَّكَ تَقُولُ : هَلْ أَعْطَيْتُكَ ؟ تُقَرِّرُهُ بِأَنَّكَ أَعْطَيْتَهُ . وَالْجَحْدُ أَنْ تَقُولَ : هَلْ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ هَذَا ؟ وَقِيلَ : هِيَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِفْهَامِ ، وَالْمَعْنَى : أَتَى . وَالْإِنْسَانُ هُنَا
آدَمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، قَالَهُ
قَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ وَعِكْرِمَةُ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ . وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ
أَبِي صَالِحٍ : أَرْبَعُونَ سَنَةً مَرَّتْ بِهِ ، قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ ، وَهُوَ مُلْقًى بَيْنَ
مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَعَيَّنَ
ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ
الضَّحَّاكِ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ طِينٍ ، فَأَقَامَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، ثُمَّ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، ثُمَّ مِنْ صَلْصَالٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً . وَزَادَ
ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ : أَقَامَ وَهُوَ مِنْ تُرَابٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بَعْدَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ .
وَقِيلَ : الْحِينُ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا : لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا ، حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ . لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا قَالَ
الضَّحَّاكُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : لَا فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ . وَقِيلَ : أَيْ كَانَ جَسَدًا مُصَوَّرًا تُرَابًا وَطِينًا ، لَا يُذْكَرُ وَلَا يُعْرَفُ ، وَلَا يُدْرَى مَا اسْمُهُ وَلَا مَا يُرَادُ بِهِ ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ ، فَصَارَ مَذْكُورًا ; قَالَهُ
الْفَرَّاءُ وَقُطْرُبُ وَثَعْلَبٌ .
وَقَالَ
يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ : لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا فِي الْخَلْقِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ شَيْئًا مَذْكُورًا . وَقِيلَ : لَيْسَ هَذَا الذِّكْرُ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ ، فَإِنَّ إِخْبَارَ الرَّبِّ عَنِ الْكَائِنَاتِ قَدِيمٌ ، بَلْ هَذَا الذِّكْرُ بِمَعْنَى الْخَطَرِ وَالشَّرَفِ وَالْقَدْرِ ; تَقُولُ : فُلَانٌ مَذْكُورٌ أَيْ لَهُ شَرَفٌ وَقَدْرٌ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ . أَيْ قَدْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرٌ عِنْدَ الْخَلِيقَةِ . ثُمَّ لَمَّا عَرَّفَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ أَنَّهُ جَعَلَ
آدَمَ خَلِيفَةً ، وَحَمَّلَهُ الْأَمَانَةَ الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ ، ظَهَرَ فَضْلُهُ عَلَى الْكُلِّ ، فَصَارَ مَذْكُورًا . قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ : وَعَلَى الْجُمْلَةِ مَا كَانَ مَذْكُورًا لِلْخَلْقِ ، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا لِلَّهِ . وَحَكَى
مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ عَنِ
الْفَرَّاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1لَمْ يَكُنْ شَيْئًا قَالَ : كَانَ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا . وَقَالَ قَوْمٌ : النَّفْيُ يَرْجِعُ إِلَى الشَّيْءِ ; أَيْ قَدْ مَضَى مُدَدٌ مِنَ الدَّهْرِ
وَآدَمُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا يُذْكَرُ فِي الْخَلِيقَةِ ; لِأَنَّهُ آخِرُ مَا خَلَقَهُ مِنْ أَصْنَافِ الْخَلِيقَةِ ، وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ حِينٌ . وَالْمَعْنَى : قَدْ مَضَتْ عَلَيْهِ أَزْمِنَةٌ وَمَا كَانَ
آدَمُ شَيْئًا وَلَا مَخْلُوقًا وَلَا مَذْكُورًا لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلِيقَةِ . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
قَتَادَةَ وَمُقَاتِلٍ : قَالَ
قَتَادَةُ : إِنَّمَا خُلِقَ الْإِنْسَانُ حَدِيثًا مَا نَعْلَمُ مِنْ خَلِيقَةِ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - خَلِيقَةً كَانَتْ بَعْدَ الْإِنْسَانِ . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ، وَتَقْدِيرُهُ : هَلْ أَتَى حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنِ الْإِنْسَانُ شَيْئًا مَذْكُورًا ; لِأَنَّهُ خَلَقَهُ بَعْدَ خَلْقِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ ، وَلَمْ يَخْلُقْ بَعْدَهُ حَيَوَانًا .
وَقَدْ قِيلَ : ( الْإِنْسَانُ ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ عُنِيَ بِهِ الْجِنْسُ مِنْ ذُرِّيَّةِ
آدَمَ ، وَأَنَّ الْحِينَ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=27758مُدَّةَ حَمْلِ الْإِنْسَانِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا : إِذْ كَانَ عَلَقَةً وَمُضْغَةً ; لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَمَادٌ لَا خَطَرَ لَهُ .
وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : لَيْتَهَا تَمَّتْ فَلَا نُبْتَلَى . أَيْ لَيْتَ الْمُدَّةَ الَّتِي أَتَتْ عَلَى
آدَمَ لَمْ
[ ص: 108 ] تَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا تَمَّتْ عَلَى ذَلِكَ ، فَلَا يَلِدُ وَلَا يُبْتَلَى أَوْلَادُهُ . وَسَمِعَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا يَقْرَأُ
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا فَقَالَ لَيْتَهَا تَمَّتْ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ أَيِ ابْنَ
آدَمَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ مِنْ نُطْفَةٍ أَيْ مِنْ مَاءٍ يَقْطُرُ وَهُوَ الْمَنِيُّ ، وَكُلُّ مَاءٍ قَلِيلٍ فِي وِعَاءٍ فَهُوَ نُطْفَةٌ ; كَقَوْلِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يُعَاتِبُ نَفْسَهُ :
مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ هَلْ أَنْتِ إِلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ
وَجَمْعُهَا : نُطَفٌ وَنِطَافٌ . أَمْشَاجٍ أَخْلَاطٌ . وَاحِدُهَا : مِشْجٌ وَمَشِيجٌ ، مِثْلَ خِدْنٍ وَخَدِينٍ ; قَالَ :
رُؤْبَةُ :
يَطْرَحْنَ كُلَّ مُعَجَّلٍ نَشَّاجِ لَمْ يُكْسَ جِلْدًا فِي دَمٍ أَمْشَاجِ
وَيُقَالُ : مَشَجْتُ هَذَا بِهَذَا أَيْ خَلَطْتُهُ ، فَهُوَ مَمْشُوجٌ وَمَشِيجٌ ; مِثْلَ : مَخْلُوطٌ وَخَلِيطٌ . وَقَالَ
الْمُبَرِّدُ : وَاحِدُ الْأَمْشَاجِ : مَشِيجٌ ; يُقَالُ : مَشَجَ يَمْشِجُ : إِذَا خَلَطَ ، وَهُوَ هُنَا اخْتِلَاطُ النُّطْفَةِ بِالدَّمِ ; قَالَ
الشَّمَّاخُ :
طَوَتْ أَحْشَاءُ مُرْتِجَةٍ لِوَقْتٍ عَلَى مَشَجٍ سُلَالَتُهُ مَهِينُ
وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : أَمْشَاجٌ : أَخْلَاطُ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ ، وَالدَّمُ وَالْعَلَقَةُ . وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ مِنْ هَذَا إِذَا خُلِطَ : مَشِيجٌ كَقَوْلِكَ خَلِيطٌ ، وَمَمْشُوجٌ كَقَوْلِكَ مَخْلُوطٌ . وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : الْأَمْشَاجُ : الْحُمْرَةُ فِي الْبَيَاضِ ، وَالْبَيَاضُ فِي الْحُمْرَةِ . وَهَذَا قَوْلٌ يَخْتَارُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ; قَالَ
الْهُذَلِيُّ :
كَأَنَّ الرِّيشَ وَالْفُوقَيْنِ مِنْهُ خِلَافَ النَّصْلِ سِيطَ بِهِ مَشِيجُ
وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ : يَخْتَلِطُ مَاءُ الرَّجُلِ وَهُوَ أَبْيَضُ غَلِيظٌ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ أَصْفَرُ رَقِيقٌ فَيُخْلَقُ مِنْهُمَا الْوَلَدُ ، فَمَا كَانَ مِنْ عَصَبٍ وَعَظْمٍ وَقُوَّةٍ فَهُوَ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ ، وَمَا كَانَ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَشَعْرٍ فَهُوَ مِنْ مَاءِ الْمَرْأَةِ . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا ; ذَكَرَهُ
الْبَزَّارُ . وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ : أَمْشَاجُهَا عُرُوقُ الْمُضْغَةِ . وَعَنْهُ : مَاءُ الرَّجُلِ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ وَهُمَا لَوْنَانِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : نُطْفَةُ الرَّجُلِ بَيْضَاءُ وَحَمْرَاءُ ، وَنُطْفَةُ الْمَرْأَةِ خَضْرَاءُ وَصَفْرَاءُ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : خُلِقَ مِنْ أَلْوَانٍ ; خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ مِنْ مَاءِ الْفَرْجِ وَالرَّحِمِ ، وَهِيَ نُطْفَةٌ ثُمَّ عَلَقَةٌ ثُمَّ مُضْغَةٌ ثُمَّ عَظْمٌ ثُمَّ لَحْمٌ . وَنَحْوُهُ قَالَ
[ ص: 109 ] قَتَادَةُ : هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=32405_32688أَطْوَارُ الْخَلْقِ : طَوْرُ عَلَقَةٍ وَطَوْرُ مُضْغَةٍ وَطَوْرُ عِظَامٍ ثُمَّ يَكْسُو الْعِظَامَ لَحْمًا ; كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ ( الْمُؤْمِنُونَ )
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ الْآيَةَ .
وَقَالَ
ابْنُ السِّكِّيتِ : الْأَمْشَاجُ الْأَخْلَاطٌ ; لِأَنَّهَا مُمْتَزِجَةٌ مِنْ أَنْوَاعٍ فَخُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْهَا ذَا طَبَائِعَ مُخْتَلِفَةٍ . وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي : الْأَمْشَاجُ مَا جُمِعَ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْوَاحِدِ ; لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلنُّطْفَةِ ; كَمَا يُقَالُ : بُرْمَةٌ أَعْشَارٌ وَثَوْبٌ أَخْلَاقٌ . وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=50أَبِي أَيُّوبٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ :
جَاءَ حَبْرٌ مِنْ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ ؟ فَقَالَ : مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ غَلِيظٌ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ فَإِذَا عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ آنَثَتْ وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ أَذْكَرَتْ ، فَقَالَ الْحَبْرُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْقَوْلُ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ ( الْبَقَرَةِ ) .
نَبْتَلِيهِ أَيْ نَخْتَبِرُهُ . وَقِيلَ : نُقَدِّرُ فِيهِ الِابْتِلَاءَ وَهُوَ الِاخْتِبَارُ . وَفِيمَا يُخْتَبَرُ بِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : نَخْتَبِرُهُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ ; قَالَهُ
الْكَلْبِيُّ . الثَّانِي : نَخْتَبِرُ شُكْرَهُ فِي السَّرَّاءِ وَصَبْرَهُ فِي الضَّرَّاءِ ; قَالَهُ
الْحَسَنُ . وَقِيلَ : نَبْتَلِيهِ نُكَلِّفُهُ . وَفِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : بِالْعَمَلِ بَعْدَ الْخَلْقِ ; قَالَهُ
مُقَاتِلٌ . الثَّانِي : بِالدِّينِ لِيَكُونَ مَأْمُورًا بِالطَّاعَةِ وَمَنْهِيًّا عَنِ الْمَعَاصِي . وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : نَبْتَلِيهِ : نُصَرِّفُهُ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ ; لِنَبْتَلِيَهُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ . وَحَكَى
مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ عَنِ
الْفَرَّاءِ قَالَ : الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا لِنَبْتَلِيَهُ ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ مَعْنَاهَا التَّأْخِيرُ .
قُلْتُ : لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ لَا يَقَعُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَقِيلَ : جَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا : يَعْنِي جَعَلْنَا لَهُ سَمْعًا يَسْمَعُ بِهِ الْهُدَى ، وَبَصَرًا يُبْصِرُ بِهِ الْهُدَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ أَيْ بَيَّنَّا لَهُ وَعَرَّفْنَاهُ طَرِيقَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِبَعْثِ الرُّسُلِ ، فَآمَنَ أَوْ كَفَرَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : أَيْ بَيَّنَّا لَهُ السَّبِيلَ إِلَى الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ nindex.php?page=showalam&ids=12045وَأَبُو صَالِحٍ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ : السَّبِيلُ هُنَا خُرُوجُهُ مِنَ الرَّحِمِ . وَقِيلَ : مَنَافِعُهُ وَمَضَارُّهُ الَّتِي يَهْتَدِي إِلَيْهَا بِطَبْعِهِ وَكَمَالِ عَقْلِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا أَيْ أَيُّهُمَا فَعَلَ فَقَدْ بَيَّنَّا لَهُ . قَالَ الْكُوفِيُّونَ : إِنْ هَاهُنَا تَكُونُ جَزَاءً وَ ( مَا ) زَائِدَةٌ أَيْ بَيَّنَّا لَهُ الطَّرِيقَ إِنْ شَكَرَ أَوْ كَفَرَ . وَاخْتَارَهُ
الْفَرَّاءُ وَلَمْ يُجِزْهُ الْبَصْرِيُّونَ ; إِذْ لَا تَدْخُلُ إِنْ لِلْجَزَاءِ عَلَى الْأَسْمَاءِ إِلَّا أَنْ يُضْمَرَ بَعْدَهَا فِعْلٌ . وَقِيلَ : أَيْ هَدَيْنَاهُ الرُّشْدَ ، أَيْ بَيَّنَّا لَهُ سَبِيلَ التَّوْحِيدِ بِنَصْبِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ ; ثُمَّ إِنْ خَلَقْنَا لَهُ الْهِدَايَةَ اهْتَدَى وَآمَنَ ، وَإِنْ خَذَلْنَاهُ كَفَرَ . وَهُوَ كَمَا تَقُولُ : قَدْ نَصَحْتُ لَكَ ، إِنْ شِئْتَ فَاقْبَلْ ، وَإِنْ شِئْتَ فَاتْرُكْ ; أَيْ فَإِنْ شِئْتَ ، فَتُحْذَفُ الْفَاءُ . وَكَذَا
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إِمَّا شَاكِرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 110 ] وَيُقَالُ : هَدَيْتُهُ السَّبِيلَ وَلِلسَّبِيلِ وَإِلَى السَّبِيلِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ( الْفَاتِحَةِ ) وَغَيْرِهَا . وَجَمَعَ بَيْنَ الشَّاكِرِ وَالْكَفُورِ ، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الشَّكُورِ وَالْكَفُورِ مَعَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ ; نَفْيًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الشُّكْرِ وَإِثْبَاتًا لَهَا فِي الْكُفْرِ ; لِأَنَّ شُكْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُؤَدَّى ، فَانْتَفَتْ عَنْهُ الْمُبَالَغَةُ ، وَلَمْ تَنْتَفِ عَنِ الْكُفْرِ الْمُبَالَغَةُ ، فَقَلَّ شُكْرُهُ ، لِكَثْرَةِ النِّعَمِ عَلَيْهِ وَكَثْرَةِ كُفْرِهِ وَإِنْ قَلَّ مَعَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ . حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ .