[ ص: 203 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون
قوله تعالى : فلا أقسم أي أقسم ، و ( لا ) زائدة ، كما تقدم .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15بالخنس الجواري الكنس هي الكواكب الخمسة
الدراري : زحل والمشتري وعطارد والمريخ والزهرة ، فيما ذكر أهل التفسير . والله أعلم . وهو مروي عن
علي كرم الله وجهه . وفي تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم وجهان : أحدهما : لأنها تستقبل الشمس ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15558بكر بن عبد الله المزني . الثاني : لأنها تقطع المجرة ; قاله
ابن عباس . وقال
الحسن وقتادة : هي النجوم التي تخنس بالنهار وإذا غربت ، وقاله
علي - رضي الله عنه - ، قال : هي النجوم تخنس بالنهار ، وتظهر بالليل ; وتكنس في وقت غروبها ; أي تتأخر عن البصر لخفائها ، فلا ترى . وفي الصحاح : و ( الخنس ) : الكواكب كلها . لأنها تخنس في المغيب ، أو لأنها تخنس نهارا . ويقال : هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة . وقال
الفراء في
nindex.php?page=treesubj&link=29052قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس : إنها النجوم الخمسة ; زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ; لأنها تخنس في مجراها ، وتكنس ، أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار ، وهو الكناس . ويقال : سميت خنسا لتأخرها ، لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم ، يقال : خنس عنه يخنس بالضم خنوسا : تأخر ، وأخنسه غيره : إذا خلفه ومضى عنه . والخنس تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة ، والرجل أخنس ، والمرأة خنساء ، والبقر كلها خنس . وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فلا أقسم بالخنس هي بقر الوحش . روى
هشيم عن
زكريا عن
أبي إسحاق عن
أبي ميسرة nindex.php?page=showalam&ids=12171عمرو بن شرحبيل قال : قال لي
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : إنكم قوم عرب فما الخنس ؟ قلت : هي بقر الوحش ; قال : وأنا أرى ذلك . وقال
إبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله . وروي عن
ابن عباس : إنما أقسم الله ببقر الوحش . وروى عنه
عكرمة قال : الخنس : البقر و ( الكنس ) : هي الظباء ، فهي خنس إذا رأين الإنسان خنسن وانقبضن وتأخرن ودخلن كناسهن .
القشيري : وقيل على هذا الخنس من الخنس في الأنف ، وهو تأخر الأرنبة وقصر القصبة ، وأنوف البقر والظباء خنس . والأصح الحمل على النجوم ، لذكر الليل والصبح بعد هذا ، فذكر النجوم أليق بذلك .
قلت : لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد ، وإن لم يعلم وجه الحكمة في ذلك . وقد جاء عن
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله وهما صحابيان
والنخعي أنها بقر الوحش .
[ ص: 204 ] وعن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير أنها الظباء . وعن
الحجاج بن منذر قال : سألت
جابر بن زيد عن الجواري الكنس ، فقال : الظباء والبقر ، فلا يبعد أن يكون المراد النجوم . وقد قيل : إنها الملائكة ; حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي .
والكنس الغيب ; مأخوذة من الكناس ، وهو كناس الوحش الذي يختفي فيه . قال
أوس بن حجر :
ألم تر أن الله أنزل مزنه وعفر الظباء في الكناس تقمع
وقال
طرفة :
كأن كناسي ضالة يكنفانها وأطر قسي تحت صلب مؤيد
وقيل : الكنوس أن تأوي إلى مكانسها ، وهي المواضع التي تأوي إليها الوحوش والظباء . قال
الأعشى في ذلك :
فلما أتينا الحي أتلع أنس كما أتلعت تحت المكانس ربرب
يقال : تلع . النهار ارتفع وأتلعت الظبية من كناسها : أي سمت بجيدها . وقال
امرؤ القيس :
تعشى قليلا ثم أنحى ظلوفه ويثير التراب عن مبيت ومكنس
والكنس : جمع كانس وكانسة ، وكذا الخنس جمع خانس وخانسة . والجواري : جمع جارية من جرى يجري .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17والليل إذا عسعس قال
الفراء : أجمع المفسرون على أن معنى عسعس أدبر ; حكاه
الجوهري . وقال بعض أصحابنا : إنه دنا من أوله وأظلم وكذلك السحاب إذا دنا من الأرض .
المهدوي :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17والليل إذا عسعس أدبر بظلامه ; عن
ابن عباس ومجاهد وغيرهما . وروي عنهما أيضا وعن
الحسن وغيره : أقبل بظلامه .
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : عسعس ذهب .
الفراء : العرب تقول عسعس وسعسع إذا لم يبق منه إلا اليسير .
الخليل وغيره : عسعس الليل إذا أقبل أو أدبر .
المبرد : هو من الأضداد ، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد ، وهو ابتداء الظلام في أوله ، وإدباره في آخره ; وقال
علقمة بن قرط :
حتى إذا الصبح لها تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا
وقال
رؤبة :
يا هند ما أسرع ما تسعسعا من بعد ما كان فتى سرعرعا
وهذه حجة
الفراء . وقال
امرؤ القيس :
[ ص: 205 ] عسعس حتى لو يشاء ادنا كان لنا من ناره مقبس
فهذا يدل على الدنو . وقال
الحسن ومجاهد : عسعس : أظلم ، قال الشاعر :
حتى إذا ما ليلهن عسعسا ركبن من حد الظلام حندسا
الماوردي : وأصل العس الامتلاء ; ومنه قيل للقدح الكبير عس لامتلائه بما فيه ، فأطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه ; وأطلق على إدباره لانتهاء امتلائه على ظلامه ; لاستكمال امتلائه به . وأما قول
امرئ القيس :
ألما على الربع القديم بعسعسا [ كأني أنادي أو أكلم أخرسا ]
فموضع بالبادية . وعسعس أيضا اسم رجل ; قال الراجز :
وعسعس نعم الفتى تبياه
أي تعتمده . ويقال للذئب العسعس والعسعاس والعساس ; لأنه يعس بالليل ويطلب . ويقال للقنافذ العساعس لكثرة ترددها بالليل . قال
أبو عمرو : والتعسعس الشم ، وأنشد :
كمنخر الذنب إذا تعسعسا
والتعسعس أيضا : طلب الصيد بالليل .
nindex.php?page=treesubj&link=29052قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18والصبح إذا تنفس أي امتد حتى يصير نهارا واضحا ; يقال للنهار إذا زاد : تنفس . وكذلك الموج إذا نضح الماء . ومعنى التنفس : خروج النسيم من الجوف . وقيل : إذا تنفس أي انشق وانفلق ; ومنه تنفست القوس أي تصدعت .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إنه لقول رسول كريم هذا جواب القسم . والرسول الكريم
جبريل ; قاله
الحسن وقتادة والضحاك . والمعنى إنه لقول رسول عن الله كريم على الله . وأضاف الكلام إلى
جبريل - عليه السلام - ، ثم عداه عنه بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=80تنزيل من رب العالمين ليعلم أهل التحقيق في التصديق أن الكلام لله - عز وجل - . وقيل : هو
محمد عليه الصلاة والسلام .
( ذي قوة ) من جعله
جبريل فقوته ظاهرة فروى
الضحاك عن
ابن عباس قال : من قوته قلعه مدائن قوم
لوط بقوادم جناحه .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20عند ذي العرش أي عند الله جل ثناؤه
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20مكين أي ذي منزلة ومكانة ; فروي عن
أبي صالح قال : يدخل سبعين سرادقا بغير إذن .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مطاع أي في السماوات ; قال
ابن عباس : من طاعة الملائكة
جبريل ، أنه لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال
جبريل - عليه السلام -
لرضوان خازن الجنان : افتح له ، ففتح ، فدخل ورأى ما فيها ، وقال
لمالك خازن النار : افتح له جهنم حتى ينظر إليها ، فأطاعه وفتح له .
( أمين ) أي مؤتمن على الوحي الذي يجيء به . ومن قال : إن المراد
[ ص: 206 ] محمد - صلى الله عليه وسلم - فالمعنى ( ذي قوة ) على تبليغ الرسالة مطاع أي يطيعه من أطاع الله جل وعز .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وما صاحبكم بمجنون يعني
محمدا - صلى الله عليه وسلم - بمجنون حتى يتهم في قوله . وهو من جواب القسم . وقيل : أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرى
جبريل في الصورة التي يكون بها عند ربه جل وعز فقال : ما ذاك إلي ; فأذن له الرب جل ثناؤه ، فأتاه وقد سد الأفق ، فلما نظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - خر مغشيا عليه ، فقال المشركون : إنه مجنون ، فنزلت :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إنه لقول رسول كريم nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وما صاحبكم بمجنون وإنما رأى
جبريل على صورته فهابه ، وورد عليه ما لم تحتمل بنيته ، فخر مغشيا عليه .
[ ص: 203 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ
قَوْلُهُ تَعَالَى : فَلَا أُقْسِمُ أَيْ أُقْسِمُ ، وَ ( لَا ) زَائِدَةٌ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ هِيَ الْكَوَاكِبُ الْخَمْسَةُ
الدَّرَارِيُّ : زُحَلُ وَالْمُشْتَرِي وَعُطَارِدُ وَالْمِرِّيخُ وَالزُّهَرَةُ ، فِيمَا ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ
عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ . وَفِي تَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ النُّجُومِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لِأَنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15558بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ . الثَّانِي : لِأَنَّهَا تَقْطَعُ الْمَجَرَّةَ ; قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقَالَ
الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ : هِيَ النُّجُومُ الَّتِي تَخْنِسُ بِالنَّهَارِ وَإِذَا غَرَبَتْ ، وَقَالَهُ
عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، قَالَ : هِيَ النُّجُومُ تَخْنِسُ بِالنَّهَارِ ، وَتَظْهَرُ بِاللَّيْلِ ; وَتَكْنِسُ فِي وَقْتِ غُرُوبِهَا ; أَيْ تَتَأَخَّرُ عَنِ الْبَصَرِ لِخَفَائِهَا ، فَلَا تُرَى . وَفِي الصِّحَاحِ : وَ ( الْخُنَّسُ ) : الْكَوَاكِبُ كُلُّهَا . لِأَنَّهَا تَخْنِسُ فِي الْمَغِيبِ ، أَوْ لِأَنَّهَا تَخْنِسُ نَهَارًا . وَيُقَالُ : هِيَ الْكَوَاكِبُ السَّيَّارَةُ مِنْهَا دُونَ الثَّابِتَةِ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29052قَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ : إِنَّهَا النُّجُومُ الْخَمْسَةُ ; زُحَلُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمِرِّيخُ وَالزُّهَرَةُ وَعُطَارِدُ ; لِأَنَّهَا تَخْنِسُ فِي مَجْرَاهَا ، وَتَكْنِسُ ، أَيْ تَسْتَتِرُ كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ فِي الْمَغَارِ ، وَهُوَ الْكَنَّاسُ . وَيُقَالُ : سُمِّيَتْ خُنَّسًا لِتَأَخُّرِهَا ، لِأَنَّهَا الْكَوَاكِبُ الْمُتَحَيِّرَةُ الَّتِي تَرْجِعُ وَتَسْتَقِيمُ ، يُقَالُ : خَنَسَ عَنْهُ يَخْنُسُ بِالضَّمِّ خُنُوسًا : تَأَخَّرَ ، وَأَخْنَسَهُ غَيْرُهُ : إِذَا خَلَّفَهُ وَمَضَى عَنْهُ . وَالْخَنْسُ تَأَخُّرُ الْأَنْفِ عَنِ الْوَجْهِ مَعَ ارْتِفَاعٍ قَلِيلٍ فِي الْأَرْنَبَةِ ، وَالرَّجُلُ أَخْنَسُ ، وَالْمَرْأَةُ خَنْسَاءُ ، وَالْبَقَرُ كُلُّهَا خُنْسٌ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ هِيَ بَقَرُ الْوَحْشِ . رَوَى
هُشَيْمٌ عَنْ
زَكَرِيَّا عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
أَبِي مَيْسَرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12171عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ : قَالَ لِي
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : إِنَّكُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ فَمَا الْخُنَّسُ ؟ قُلْتُ : هِيَ بَقَرُ الْوَحْشِ ; قَالَ : وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ . وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ nindex.php?page=showalam&ids=36وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ . وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّمَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِبَقَرِ الْوَحْشِ . وَرَوَى عَنْهُ
عِكْرِمَةُ قَالَ : الْخُنَّسُ : الْبَقَرُ وَ ( الْكُنَّسُ ) : هِيَ الظِّبَاءُ ، فَهِيَ خُنَّسٌ إِذَا رَأَيْنَ الْإِنْسَانَ خَنَسْنَ وَانْقَبَضْنَ وَتَأَخَّرْنَ وَدَخَلْنَ كِنَاسَهُنَّ .
الْقُشَيْرِيُّ : وَقِيلَ عَلَى هَذَا الْخُنَّسُ مِنَ الْخَنَسِ فِي الْأَنْفِ ، وَهُوَ تَأَخُّرُ الْأَرْنَبَةِ وَقِصَرُ الْقَصَبَةِ ، وَأُنُوفُ الْبَقَرِ وَالظِّبَاءِ خُنَّسٌ . وَالْأَصَحُّ الْحَمْلُ عَلَى النُّجُومِ ، لِذِكْرِ اللَّيْلِ وَالصُّبْحِ بَعْدَ هَذَا ، فَذِكْرُ النُّجُومِ أَلْيَقُ بِذَلِكَ .
قُلْتُ : لِلَّهِ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ مِنْ حَيَوَانٍ وَجَمَادٍ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ جَاءَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=36وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُمَا صَحَابِيَّانِ
وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهَا بَقَرُ الْوَحْشِ .
[ ص: 204 ] وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهَا الظِّبَاءُ . وَعَنِ
الْحَجَّاجِ بْنِ مُنْذِرٍ قَالَ : سَأَلْتُ
جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَنِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ، فَقَالَ : الظِّبَاءُ وَالْبَقَرُ ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النُّجُومَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا الْمَلَائِكَةُ ; حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ .
وَالْكُنَّسُ الْغُيَّبُ ; مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْكِنَاسِ ، وَهُوَ كِنَاسُ الْوَحْشِ الَّذِي يَخْتَفِي فِيهِ . قَالَ
أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ :
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مُزْنَهُ وَعُفْرُ الظِّبَاءِ فِي الْكِنَاسِ تَقَمَّعُ
وَقَالَ
طَرَفَةُ :
كَأَنَّ كِنَاسَيْ ضَالَّةٍ يَكْنُفَانِهَا وَأَطْرَ قِسِيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ
وَقِيلَ : الْكُنُوسُ أَنْ تَأْوِيَ إِلَى مَكَانِسِهَا ، وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا الْوُحُوشُ وَالظِّبَاءُ . قَالَ
الْأَعْشَى فِي ذَلِكَ :
فَلَمَّا أَتَيْنَا الْحَيَّ أَتْلَعَ أنَسٌ كَمَا أَتْلَعَتْ تَحْتَ الْمَكَانِسِ رَبْرَبُ
يُقَالُ : تَلَعَ . النَّهَارُ ارْتَفَعَ وَأَتْلَعَتِ الظَّبْيَةُ مِنْ كِنَاسِهَا : أَيْ سَمَتْ بِجِيدِهَا . وَقَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ :
تَعَشَّى قَلِيلًا ثُمَّ أَنْحَى ظُلُوفَهُ وَيُثِيرُ التُّرَابَ عَنْ مَبِيتٍ وَمَكْنَسِ
وَالْكُنَّسُ : جَمْعُ كَانِسٍ وَكَانِسَةٍ ، وَكَذَا الْخُنَّسُ جَمْعُ خَانِسٍ وَخَانِسَةٍ . وَالْجَوَارِي : جَمْعُ جَارِيَةٍ مِنْ جَرَى يَجْرِي .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ قَالَ
الْفَرَّاءُ : أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى عَسْعَسَ أَدْبَرَ ; حَكَاهُ
الْجَوْهَرِيُّ . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إِنَّهُ دَنَا مِنْ أَوَّلِهِ وَأَظْلَمَ وَكَذَلِكَ السَّحَابُ إِذَا دَنَا مِنَ الْأَرْضِ .
الْمَهْدَوِيُّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ أَدْبَرَ بِظَلَامِهِ ; عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا . وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَيْضًا وَعَنِ
الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ : أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ .
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : عَسْعَسَ ذَهَبَ .
الْفَرَّاءُ : الْعَرَبُ تَقُولُ عَسْعَسَ وَسَعْسَعَ إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا الْيَسِيرُ .
الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ : عَسْعَسَ اللَّيْلُ إِذَا أَقْبَلَ أَوْ أَدْبَرَ .
الْمُبَرِّدُ : هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ ، وَالْمَعْنَيَانِ يَرْجِعَانِ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ ابْتِدَاءُ الظَّلَامِ فِي أَوَّلِهِ ، وَإِدْبَارُهُ فِي آخِرِهِ ; وَقَالَ
عَلْقَمَةُ بْنُ قُرْطٍ :
حَتَّى إِذَا الصُّبْحُ لَهَا تَنَفَّسَا وَانْجَابَ عَنْهَا لَيْلُهَا وَعَسْعَسَا
وَقَالَ
رُؤْبَةُ :
يَا هِنْدُ مَا أَسْرَعَ مَا تَسَعْسَعَا مِنْ بَعْدِ مَا كَانَ فَتًى سَرَعْرَعَا
وَهَذِهِ حُجَّةُ
الْفَرَّاءِ . وَقَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ :
[ ص: 205 ] عَسْعَسَ حَتَّى لَوْ يَشَاءُ ادَّنَا كَانَ لَنَا مِنْ نَارِهِ مَقْبِسُ
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الدُّنُوِّ . وَقَالَ
الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ : عَسْعَسَ : أَظْلَمَ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
حَتَّى إِذَا مَا لَيْلُهُنَّ عَسْعَسَا رَكِبْنَ مِنْ حَدِّ الظَّلَامِ حِنْدِسَا
الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَصْلُ الْعُسِّ الِامْتِلَاءُ ; وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَدَحِ الْكَبِيرِ عُسٌّ لِامْتِلَائِهِ بِمَا فِيهِ ، فَأُطْلِقَ عَلَى إِقْبَالِ اللَّيْلِ لِابْتِدَاءِ امْتِلَائِهِ ; وَأُطْلِقَ عَلَى إِدْبَارِهِ لِانْتِهَاءِ امْتِلَائِهِ عَلَى ظَلَامِهِ ; لِاسْتِكْمَالِ امْتِلَائِهِ بِهِ . وَأَمَّا قَوْلُ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
أَلَمَّا عَلَى الرَّبْعِ الْقَدِيمِ بِعَسْعَسَا [ كَأَنِّي أُنَادِي أَوْ أُكَلِّمُ أَخْرَسَا ]
فَمَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ . وَعَسْعَسَ أَيْضًا اسْمُ رَجُلٍ ; قَالَ الرَّاجِزُ :
وَعَسْعَسَ نِعْمَ الْفَتَى تَبَيَّاهُ
أَيْ تَعْتَمِدُهُ . وَيُقَالُ لِلذِّئْبِ الْعَسْعَسُ وَالْعَسْعَاسُ وَالْعَسَّاسُ ; لِأَنَّهُ يَعُسُّ بِاللَّيْلِ وَيَطْلُبُ . وَيُقَالُ لِلْقَنَافِذِ الْعَسَاعِسُ لِكَثْرَةِ تَرَدُّدِهَا بِاللَّيْلِ . قَالَ
أَبُو عَمْرٍو : وَالتَّعَسْعُسُ الشَّمُّ ، وَأَنْشَدَ :
كَمَنْخِرِ الذَّنْبِ إِذَا تَعَسْعَسَا
وَالتَّعَسْعُسُ أَيْضًا : طَلَبُ الصَّيْدِ بِاللَّيْلِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29052قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ أَيِ امْتَدَّ حَتَّى يَصِيرَ نَهَارًا وَاضِحًا ; يُقَالُ لِلنَّهَارِ إِذَا زَادَ : تَنَفَّسَ . وَكَذَلِكَ الْمَوْجُ إِذَا نَضَحَ الْمَاءَ . وَمَعْنَى التَّنَفُّسِ : خُرُوجُ النَّسِيمِ مِنَ الْجَوْفِ . وَقِيلَ : إِذَا تَنَفَّسَ أَيِ انْشَقَّ وَانْفَلَقَ ; وَمِنْهُ تَنَفَّسَتِ الْقَوْسُ أَيْ تَصَدَّعَتْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ . وَالرَّسُولُ الْكَرِيمُ
جِبْرِيلُ ; قَالَهُ
الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ . وَالْمَعْنَى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ عَنِ اللَّهِ كَرِيمٍ عَلَى اللَّهِ . وَأَضَافَ الْكَلَامَ إِلَى
جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، ثُمَّ عَدَّاهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=80تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِيَعْلَمَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ فِي التَّصْدِيقِ أَنَّ الْكَلَامَ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - . وَقِيلَ : هُوَ
مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
( ذِي قُوَّةٍ ) مَنْ جَعَلَهُ
جِبْرِيلُ فَقُوَّتُهُ ظَاهِرَةٌ فَرَوَى
الضَّحَّاكُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مِنْ قُوَّتِهِ قَلْعُهُ مَدَائِنَ قَوْمِ
لُوطٍ بِقَوَادِمِ جَنَاحِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ أَيْ عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20مَكِينٍ أَيْ ذِي مَنْزِلَةٍ وَمَكَانَةٍ ; فَرُوِيَ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ قَالَ : يَدْخُلُ سَبْعِينَ سُرَادِقًا بِغَيْرِ إِذْنٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مُطَاعٍ أَيْ فِي السَّمَاوَاتِ ; قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : مِنْ طَاعَةِ الْمَلَائِكَةِ
جِبْرِيلَ ، أَنَّهُ لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
لِرِضْوَانٍ خَازِنِ الْجِنَانِ : افْتَحْ لَهُ ، فَفَتَحَ ، فَدَخَلَ وَرَأَى مَا فِيهَا ، وَقَالَ
لِمَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ : افْتَحْ لَهُ جَهَنَّمَ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَيْهَا ، فَأَطَاعَهُ وَفَتَحَ لَهُ .
( أَمِينٍ ) أَيْ مُؤْتَمَنٍ عَلَى الْوَحْيِ الَّذِي يَجِيءُ بِهِ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَادَ
[ ص: 206 ] مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْمَعْنَى ( ذِي قُوَّةٍ ) عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ مُطَاعٍ أَيْ يُطِيعُهُ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ يَعْنِي
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَجْنُونٍ حَتَّى يُتَّهَمَ فِي قَوْلِهِ . وَهُوَ مِنْ جَوَابِ الْقَسَمِ . وَقِيلَ : أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرَى
جِبْرِيلَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا عِنْدَ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ : مَا ذَاكَ إِلَيَّ ; فَأَذِنَ لَهُ الرَّبُّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، فَأَتَاهُ وَقَدْ سَدَّ الْأُفُقَ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إِنَّهُ مَجْنُونٌ ، فَنَزَلَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّمَا رَأَى
جِبْرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ فَهَابَهُ ، وَوَرَدَ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَحْتَمِلْ بِنْيَتُهُ ، فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ .