قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما
قوله تعالى : كلا رد ، أي ليس الأمر كما يظن ، فليس الغنى لفضله ، ولا الفقر لهوانه ، وإنما الفقر والغنى من تقديري وقضائي . وقال
الفراء : كلا في هذا الموضع بمعنى لم يكن ينبغي للعبد أن يكون هكذا ، ولكن يحمد الله - عز وجل - على الغنى والفقر . وفي الحديث : "
يقول الله - عز وجل - : كلا إني لا أكرم من أكرمت بكثرة الدنيا ، ولا أهين من أهنت بقلتها ، إنما أكرم من أكرمت بطاعتي ، وأهين من أهنت بمعصيتي " .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17بل لا تكرمون اليتيم إخبار عن ما كانوا يصنعونه من
nindex.php?page=treesubj&link=33308منع اليتيم الميراث ، وأكل ماله إسرافا وبدارا أن يكبروا . وقرأ
أبو عمرو ويعقوب يكرمون ، ويحضون ويأكلون ، ويحبون بالياء ; لأنه تقدم ذكر الإنسان ، والمراد به الجنس ، فعبر عنه بلفظ الجمع . الباقون بالتاء في الأربعة ، على الخطاب والمواجهة كأنه قال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا . وترك إكرام اليتيم بدفعه عن حقه ، وأكل ماله كما ذكرنا . قال
مقاتل : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=121قدامة بن مظعون وكان يتيما في حجر
أمية بن خلف .
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=18ولا تحاضون على طعام المسكين أي لا يأمرون أهليهم بإطعام مسكين يجيئهم . وقرأ الكوفيون ولا تحاضون بفتح التاء والحاء والألف . أي يحض بعضهم بعضا . وأصله تتحاضون ، فحذف إحدى التاءين لدلالة الكلام عليها . وهو اختيار
أبي عبيد . وروي عن
إبراهيم والشيزري عن
الكسائي والسلمي ( تحاضون )
[ ص: 47 ] بضم التاء ، وهو تفاعلون من الحض ، وهو الحث .
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19وتأكلون التراث أي ميراث اليتامى . وأصله الوراث من ورثت ، فأبدلوا الواو تاء كما قالوا في تجاه وتخمة وتكأة وتؤدة ونحو ذلك . وقد تقدم .
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19أكلا لما أي شديدا قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . قيل لما : جمعا من قولهم : لممت الطعام لما إذا أكلته جمعا قاله
الحسن وأبو عبيدة . وأصل اللم في كلام العرب : الجمع يقال : لممت الشيء ألمه لما : إذا جمعته ، ومنه يقال : لم الله شعثه ، أي جمع ما تفرق من أموره . قال
النابغة :
ولس بمستبق أخا لا تلمه على شعث أي الرجال المهذب
ومنه قولهم : إن دارك لمومة ، أي تلم الناس وتربهم وتجمعهم . وقال
المرناق الطائي يمدح
علقمة بن سيف :
لأحبني حب الصبي ولمني لم الهدي إلى الكريم الماجد
وقال
الليث : اللم الجمع الشديد ومنه حجر ملموم ، وكتيبة ملمومة . فالآكل يلم الثريد ، فيجمعه لقما ثم يأكله . وقال
مجاهد : يسفه سفا : وقال
الحسن : يأكل نصيبه ونصيب غيره . قال
الحطيئة :
إذا كان لما يتبع الذم ربه فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا
يعني أنهم يجمعون في أكلهم بين نصيبهم ونصيب غيرهم . وقال
ابن زيد : هو أنه إذا أكل ماله ألم بمال غيره فأكله ، ولا يفكر : أكل من خبيث أو طيب . قال : وكان أهل الشرك لا يورثون النساء ولا الصبيان ، بل يأكلون ميراثهم مع ميراثهم ، وتراثهم مع تراثهم . وقيل : يأكلون ما جمعه الميت من الظلم وهو عالم بذلك ، فيلم في الأكل بين حرامه وحلاله . ويجوز أن يذم الوارث الذي ظفر بالمال سهلا ، مهلا ، من غير أن يعرق فيه جبينه ، فيسرف في إنفاقه ، ويأكله أكلا واسعا ، جامعا بين المشتهيات من الأطعمة والأشربة والفواكه ، كما يفعل الوراث البطالون .
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=20وتحبون المال حبا جما أي كثيرا ، حلاله وحرامه . والجم الكثير . يقال : جم الشيء يجم جموما ، فهو جم وجام . ومنه جم الماء في الحوض : إذا اجتمع وكثر . وقال الشاعر [
أبو خراش الهذلي ] :
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما
والجمة : المكان الذي يجتمع فيه ماؤه . والجموم : البئر الكثيرة الماء . والجموم ( بالضم ) :
[ ص: 48 ] المصدر يقال : جم الماء يجم جموما : إذا كثر في البئر واجتمع ، بعدما استقي ما فيها .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا
قَوْلُهُ تَعَالَى : كَلَّا رَدٌّ ، أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يُظَنُّ ، فَلَيْسَ الْغِنَى لِفَضْلِهِ ، وَلَا الْفَقْرَ لِهَوَانِهِ ، وَإِنَّمَا الْفَقْرُ وَالْغِنَى مِنْ تَقْدِيرِي وَقَضَائِي . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : كَلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا ، وَلَكِنْ يَحْمَدُ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى الْغِنَى وَالْفَقْرِ . وَفِي الْحَدِيثِ : "
يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : كَلَّا إِنِّي لَا أُكْرِمُ مَنْ أَكْرَمْتُ بِكَثْرَةِ الدُّنْيَا ، وَلَا أُهِينُ مَنْ أَهَنْتُ بِقِلَّتِهَا ، إِنَّمَا أُكْرِمُ مَنْ أَكْرَمْتُ بِطَاعَتِي ، وَأُهِينُ مَنْ أَهَنْتُ بِمَعْصِيَتِي " .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ إِخْبَارٌ عَنْ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَهُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33308مَنْعِ الْيَتِيمِ الْمِيرَاثَ ، وَأَكْلِ مَالِهِ إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا . وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ يُكْرِمُونَ ، وَيَحُضُّونَ وَيَأْكُلُونَ ، وَيُحِبُّونَ بِالْيَاءِ ; لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْإِنْسَانِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ . الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ فِي الْأَرْبَعَةِ ، عَلَى الْخِطَابِ وَالْمُوَاجَهَةِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا . وَتَرْكُ إِكْرَامِ الْيَتِيمِ بِدَفْعِهِ عَنْ حَقِّهِ ، وَأَكْلِ مَالِهِ كَمَا ذَكَرْنَا . قَالَ
مُقَاتِلٌ : نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=121قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ
أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=18وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ أَيْ لَا يَأْمُرُونَ أَهْلِيهِمْ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ يَجِيئُهُمْ . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَلَا تَحَاضُّونَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْحَاءِ وَالْأَلِفِ . أَيْ يَحُضُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا . وَأَصْلُهُ تَتَحَاضُّونَ ، فَحُذِفَ إِحْدَى التَّاءَيْنِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا . وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي عُبَيْدٍ . وَرُوِيَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ وَالشَّيْزَرِيِّ عَنِ
الْكِسَائِيِّ وَالسُّلَمِيِّ ( تُحَاضُّونَ )
[ ص: 47 ] بِضَمِّ التَّاءِ ، وَهُوَ تُفَاعِلُونَ مِنَ الْحَضِّ ، وَهُوَ الْحَثُّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَيْ مِيرَاثَ الْيَتَامَى . وَأَصْلُهُ الْوِرَاثُ مِنْ وَرِثْتُ ، فَأَبْدَلُوا الْوَاوَ تَاءً كَمَا قَالُوا فِي تُجَاهِ وَتُخَمَةٍ وَتُكَأَةٍ وَتُؤَدَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19أَكْلًا لَمًّا أَيْ شَدِيدًا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ . قِيلَ لَمًّا : جَمْعًا مِنْ قَوْلِهِمْ : لَمَمْتُ الطَّعَامَ لَمًّا إِذَا أَكَلْتُهُ جَمْعًا قَالَهُ
الْحَسَنُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ . وَأَصْلُ اللَّمِّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : الْجَمْعُ يُقَالُ : لَمَمْتُ الشَّيْءَ أَلُمُّهُ لَمًّا : إِذَا جَمَعْتُهُ ، وَمِنْهُ يُقَالُ : لَمَّ اللَّهُ شَعْثَهُ ، أَيْ جَمَعَ مَا تَفَرَّقَ مِنْ أُمُورِهِ . قَالَ
النَّابِغَةُ :
وَلَسْ بِمُسْتَبِقٍ أَخًا لَا تَلُمُّهُ عَلَى شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبُ
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : إِنَّ دَارَكَ لَمُومَةٌ ، أَيْ تُلِمُّ النَّاسَ وَتَرُبُّهُمْ وَتَجْمَعُهُمْ . وَقَالَ
الْمِرْنَاقُ الطَّائِيُّ يَمْدَحُ
عَلْقَمَةَ بْنَ سَيْفٍ :
لَأَحَبَّنِي حُبَّ الصَّبِيِّ وَلَمَّنِي لَمَّ الْهَدِيِّ إِلَى الْكَرِيمِ الْمَاجِدِ
وَقَالَ
اللَّيْثُ : اللَّمُّ الْجَمْعُ الشَّدِيدُ وَمِنْهُ حَجَرٌ مَلْمُومٌ ، وَكَتِيبَةٌ مَلْمُومَةٌ . فَالْآكِلُ يَلُمُّ الثَّرِيدَ ، فَيَجْمَعُهُ لُقَمًا ثُمَّ يَأْكُلُهُ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : يَسُفُّهُ سَفًّا : وَقَالَ
الْحَسَنُ : يَأْكُلُ نَصِيبَهُ وَنَصِيبَ غَيْرِهِ . قَالَ
الْحُطَيْئَةُ :
إِذَا كَانَ لَمًّا يَتْبَعُ الذَّمُّ رَبَّهُ فَلَا قَدَّسَ الرَّحْمَنُ تِلْكَ الطَّوَاحِنَا
يَعْنِي أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ فِي أَكْلِهِمْ بَيْنَ نَصِيبِهِمْ وَنَصِيبِ غَيْرِهِمْ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : هُوَ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مَالَهُ أَلَمَّ بِمَالِ غَيْرِهِ فَأَكَلَهُ ، وَلَا يُفَكِّرُ : أَكَلَ مِنْ خَبِيثٍ أَوْ طَيِّبٍ . قَالَ : وَكَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الصِّبْيَانَ ، بَلْ يَأْكُلُونَ مِيرَاثَهُمْ مَعَ مِيرَاثِهِمْ ، وَتُرَاثَهُمْ مَعَ تُرَاثِهِمْ . وَقِيلَ : يَأْكُلُونَ مَا جَمَعَهُ الْمَيِّتُ مِنَ الظُّلْمِ وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ ، فَيَلُمُّ فِي الْأَكْلِ بَيْنَ حَرَامِهِ وَحَلَالِهِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَذُمَّ الْوَارِثُ الَّذِي ظَفَرَ بِالْمَالِ سَهْلًا ، مَهْلًا ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرَقَ فِيهِ جَبِينُهُ ، فَيُسْرِفَ فِي إِنْفَاقِهِ ، وَيَأْكُلُهُ أَكْلًا وَاسِعًا ، جَامِعًا بَيْنَ الْمُشْتَهَيَاتِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْفَوَاكِهِ ، كَمَا يَفْعَلُ الْوُرَّاثُ الْبَطَّالُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=20وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا أَيْ كَثِيرًا ، حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ . وَالْجَمُّ الْكَثِيرُ . يُقَالُ : جَمَّ الشَّيْءَ يَجُمُّ جُمُومًا ، فَهُوَ جَمٌّ وَجَامٌّ . وَمِنْهُ جَمَّ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ : إِذَا اجْتَمَعَ وَكَثُرَ . وَقَالَ الشَّاعِرُ [
أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيُّ ] :
إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا وَأَيُ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا
وَالْجَمَّةُ : الْمَكَانُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ مَاؤُهُ . وَالْجَمُومُ : الْبِئْرُ الْكَثِيرَةُ الْمَاءِ . وَالْجَمُومُ ( بالضَّمِ ) :
[ ص: 48 ] الْمَصْدَرُ يُقَالُ : جَمَّ الْمَاءُ يَجُمُّ جُمُومًا : إِذَا كَثُرَ فِي الْبِئْرِ وَاجْتَمَعَ ، بَعْدَمَا اسْتُقِيَ مَا فِيهَا .