[ ص: 187 ] تفسير
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة الماعون
وهي سبع آيات
وهي مكية في قول
عطاء وجابر وأحد قولي
ابن عباس وغيره ومدنية في قول له آخر وهو قول
قتادة
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون فيه ست مسائل :
الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=29078قوله تعالى : أرأيت الذي يكذب بالدين أي بالجزاء والحساب في الآخرة ; وقد تقدم في ( الفاتحة ) . وأرأيت بإثبات الهمزة الثانية ; إذ لا يقال في أرأيت : ريت ، ولكن ألف الاستفهام سهلت الهمزة ألفا ; ذكره
الزجاج . وفي الكلام حذف ; والمعنى : أرأيت الذي يكذب بالدين : أمصيب هو أم مخطئ . واختلف فيمن نزل هذا فيه ; فذكر
أبو صالح عن
ابن عباس قال : نزلت في
العاص بن وائل السهمي ; وقاله
الكلبي ومقاتل . وروى
الضحاك عنه قال : نزلت في رجل من المنافقين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : نزلت في
الوليد بن المغيرة . وقيل في
أبي جهل .
الضحاك : في
عمرو بن عائذ . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : نزلت في
أبي سفيان ، وكان ينحر في
[ ص: 188 ] كل أسبوع جزورا ، فطلب منه يتيم شيئا ، فقرعه بعصاه ; فأنزل الله هذه السورة .
يدع أي يدفع ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=13يدعون إلى نار جهنم دعا وقد تقدم . وقال
الضحاك عن
ابن عباس :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فذلك الذي يدع اليتيم أي يدفعه عن حقه .
قتادة : يقهره ويظلمه . والمعنى متقارب . وقد تقدم في سورة ( النساء ) أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار ، ويقولون : إنما يحوز المال من يطعن بالسنان ، ويضرب بالحسام . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832688من ضم يتيما من المسلمين حتى يستغني فقد وجبت له الجنة . وقد مضى هذا المعنى في غير موضع .
الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3ولا يحض على طعام المسكين لا يأمر به ، من أجل بخله وتكذيبه بالجزاء . وهو مثل قوله تعالى في سورة الحاقة :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3ولا يحض على طعام المسكين وقد تقدم . وليس الذم عاما حتى يتناول من تركه عجزا ، ولكنهم كانوا يبخلون ويعتذرون لأنفسهم ، ويقولون :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ، فنزلت هذه الآية فيهم ، وتوجه الذم إليهم . فيكون معنى الكلام : لا يفعلونه إن قدروا ، ولا يحثون عليه إن عسروا .
الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=29078قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فويل للمصلين أي عذاب لهم . وقد تقدم في غير موضع .
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الذين هم عن صلاتهم ساهون فروى
الضحاك عن
ابن عباس قال هو المصلي الذي إن صلى لم يرج لها ثوابا ، وإن تركها لم يخش عليها عقابا . وعنه أيضا : الذين يؤخرونها عن أوقاتها . وكذا روى
المغيرة عن
إبراهيم ، قال : ساهون بإضاعة الوقت . وعن
أبي العالية : لا يصلونها لمواقيتها ، ولا يتمون ركوعها ولا سجودها .
قلت : ويدل على هذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=59فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة حسب ما تقدم بيانه في سورة ( مريم ) عليها السلام . وروي عن
إبراهيم أيضا : أنه الذي إذا سجد قام برأسه هكذا ملتفتا . وقال
قطرب : هو ألا يقرأ ولا يذكر الله . وفي قراءة
عبد الله ( الذين هم عن صلاتهم لاهون ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص : قال النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=832689في قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون - قال - : ( الذين nindex.php?page=treesubj&link=23392_1417يؤخرون الصلاة عن وقتها ، تهاونا بها ) . وعن
ابن عباس أيضا : هم المنافقون يتركون الصلاة سرا ، يصلونها علانية
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى الآية . ويدل على أنها في المنافقين قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الذين هم يراءون ، وقال
ابن وهب عن
مالك . قال
ابن عباس : ولو قال في صلاتهم ساهون لكانت في المؤمنين وقال
عطاء : الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن
[ ص: 189 ] قلت : أي فرق بين قوله : عن صلاتهم ، وبين قولك : في صلاتهم ؟ قلت : معنى عن أنهم ساهون عنها سهو ترك لها ، وقلة التفات إليها ، وذلك فعل المنافقين ، أو الفسقة الشطار من المسلمين . ومعنى في أن السهو يعتريهم فيها ، بوسوسة شيطان ، أو حديث نفس ، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقع له السهو في صلاته ، فضلا عن غيره ; ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : لأن السلامة من السهو محال ، وقد سها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته والصحابة : وكل من لا يسهو في صلاته ، فذلك رجل لا يتدبرها ، ولا يعقل قراءتها ، وإنما همه في أعدادها ; وهذا رجل يأكل القشور ، ويرمي اللب . وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسهو في صلاته إلا لفكرته في أعظم منها ; اللهم إلا أنه قد يسهو في صلاته من يقبل على وسواس الشيطان إذا قال له : اذكر كذا ، اذكر كذا ; لما لم يكن يذكر ، حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى .
الرابعة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الذين هم يراءون أي يري الناس أنه يصلي طاعة وهو يصلي تقية ; كالفاسق ، يري أنه يصلي عبادة وهو يصلي ليقال : إنه يصلي .
nindex.php?page=treesubj&link=18691وحقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة ، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس . وأولها تحسين السمت ; وهو من أجزاء النبوة ، ويريد بذلك الجاه والثناء . وثانيها : الرياء بالثياب القصار والخشنة ; ليأخذ بذلك هيئة الزهد في الدنيا . وثالثها : الرياء بالقول ، بإظهار التسخط على أهل الدنيا ; وإظهار الوعظ والتأسف على ما يفوت من الخير والطاعة . ورابعها : الرياء بإظهار الصلاة والصدقة ، أو بتحسين الصلاة لأجل رؤية الناس ; وذلك يطول ، وهذا دليله ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي .
قلت : قد تقدم في سورة النساء وهود وآخر الكهف القول في الرياء وأحكامه وحقيقته بما فيه كفاية . والحمد لله .
الخامسة :
nindex.php?page=treesubj&link=18713_18697ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة ; فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها ، لقوله - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832690ولا غمة في فرائض الله لأنها أعلام الإسلام ، وشعائر الدين ، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت ; فوجب إماطة التهمة بالإظهار ، وإن كان تطوعا فحقه أن يخفى ; لأنه لا يلام بتركه ولا تهمة فيه ، فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا . وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين ، فتثني عليه بالصلاح . وعن بعضهم
[ ص: 190 ] أنه رأى رجلا في المسجد قد سجد سجدة الشكر فأطالها ; فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتك . وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة . وقد مضى هذا المعنى في سورة ( البقرة ) عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271إن تبدوا الصدقات ، وفي غير موضع . والحمد لله على ذلك .
السادسة :
nindex.php?page=treesubj&link=29078قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=7ويمنعون الماعون فيه اثنا عشر قولا :
الأول : أنه زكاة أموالهم . كذا روى
الضحاك عن
ابن عباس . وروي عن
علي - رضي الله عنه - مثل ذلك ، وقاله
مالك . والمراد به المنافق يمنعها . وقد روى
أبو بكر بن عبد العزيز عن
مالك قال : بلغني أن قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فويل للمصلين الذين هم على صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون قال : إن المنافق إذا صلى صلى رياء ، وإن فاتته لم يندم عليها ، ويمنعون الماعون الزكاة التي فرض الله عليهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : لو خفيت لهم الصلاة كما خفيت لهم الزكاة ما صلوا .
القول الثاني : أن الماعون المال ، بلسان
قريش ; قاله
ابن شهاب nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب .
وقول ثالث : أنه اسم جامع لمنافع البيت كالفأس والقدر والنار وما أشبه ذلك ; قاله
ابن مسعود ، وروي عن
ابن عباس أيضا . قال
الأعشى :
بأجود منه بماعونه إذا ما سماؤهم لم تغم
الرابع : ذكر
الزجاج وأبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد أن الماعون في الجاهلية كل ما فيه منفعة ، حتى الفأس والقدر والدلو والقداحة ، وكل ما فيه منفعة من قليل وكثير ; وأنشدوا بيت
الأعشى . قالوا : والماعون في الإسلام : الطاعة والزكاة ; وأنشدوا قول الراعي :
أخليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى لله من أموالنا حق الزكاة منزلا تنزيلا
قوم على الإسلام لما يمنعوا ماعونهم ويضيعوا التهليلا
يعني الزكاة .
الخامس : أنه العارية ; وروي عن
ابن عباس أيضا .
السادس : أنه المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم ; قاله
محمد بن كعب والكلبي .
السابع : أنه الماء والكلأ .
الثامن : الماء وحده . قال
الفراء : سمعت بعض العرب يقول : الماعون : الماء ; وأنشدني فيه :
يمج صبيره الماعون صبا
الصبير : السحاب .
التاسع : أنه منع الحق ; قاله
عبد الله بن عمر .
العاشر : أنه المستغل من منافع الأموال ; مأخوذ من المعن وهو القليل ; حكاه
الطبري nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس . قال
[ ص: 191 ] قطرب : أصل الماعون من القلة . والمعن : الشيء القليل ; تقول العرب : ( ما له سعنة ولا معنة ) ; أي شيء قليل . فسمى الله تعالى الزكاة والصدقة ونحوهما من المعروف ماعونا ; لأنه قليل من كثير . ومن الناس من قال : الماعون : أصله معونة ، والألف عوض من الهاء ; حكاه
الجوهري .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : الماعون : مفعول من أعان يعين ، والعون : هو الإمداد بالقوة والآلات والأسباب الميسرة للأمر .
الحادي عشر : أنه الطاعة والانقياد . حكى
الأخفش عن أعرابي فصيح : لو قد نزلنا لصنعت بناقتك صنيعا تعطيك الماعون ; أي تنقاد لك وتعطيك . قال الراجز :
متى تصادفهن في البرين يخضعن أو يعطين بالماعون
وقيل : هو ما لا يحل منعه ، كالماء والملح والنار ; لأن
عائشة رضوان الله عليها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832691قلت يا رسول الله ، ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال : الماء والنار والملح قلت : يا رسول الله هذا الماء ، فما بال النار والملح ؟ فقال : يا عائشة من أعطى نارا فكأنما تصدق بجميع ما طبخ بتلك النار ، ومن أعطى ملحا فكأنما تصدق بجميع ما طيب به ذلك الملح ، ومن سقى شربة من الماء حيث يوجد الماء ، فكأنما أعتق ستين نسمة . ومن سقى شربة من الماء حيث لا يوجد ، فكأنما أحيا نفسا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا . ذكره
الثعلبي في تفسيره ، وخرجه
ابن ماجه في سننه . وفي إسناده لين ; وهو القول الثاني عشر .
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : ويحتمل أنه المعونة بما خف فعله وقد ثقله الله . والله أعلم .
وقيل
nindex.php?page=showalam&ids=16584لعكرمة مولى ابن عباس : من منع شيئا من المتاع كان له الويل ؟ فقال : لا ، ولكن من جمع ثلاثهن فله الويل ; يعني : ترك الصلاة ، والرياء ، والبخل بالماعون .
قلت : كونها في المنافقين أشبه ، وبهم أخلق ; لأنهم جمعوا الأوصاف الثلاثة :
nindex.php?page=treesubj&link=18692_23390_18897ترك الصلاة ، والرياء ، والبخل بالمال ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=54ولا ينفقون إلا وهم كارهون . وهذه أحوالهم ويبعد أن توجد من مسلم محقق ، وإن وجد بعضها فيلحقه جزء من التوبيخ ، وذلك في منع الماعون إذا تعين ; كالصلاة إذا تركها . والله أعلم . إنما يكون منعا قبيحا في المروءة في غير حال الضرورة . والله أعلم .
[ ص: 187 ] تَفْسِيرُ
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةِ الْمَاعُونِ
وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ
عَطَاءٍ وَجَابِرٍ وَأَحَدِ قَوْلَيِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَمَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلٍ لَهُ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُ
قَتَادَةَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ :
الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=29078قَوْلُهُ تَعَالَى : أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ أَيْ بِالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ فِي الْآخِرَةِ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ( الْفَاتِحَةِ ) . وَأَرَأَيْتَ بِإِثْبَاتِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ ; إِذْ لَا يُقَالُ فِي أَرَأَيْتَ : رَيْتَ ، وَلَكِنَّ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ سَهَّلَتِ الْهَمْزَةَ أَلِفًا ; ذَكَرَهُ
الزَّجَّاجُ . وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ ; وَالْمَعْنَى : أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ : أَمُصِيبٌ هُوَ أَمْ مُخْطِئٌ . وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ نَزَلَ هَذَا فِيهِ ; فَذَكَرَ
أَبُو صَالِحٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : نَزَلَتْ فِي
الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ ; وَقَالَهُ
الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ . وَرَوَى
الضَّحَّاكُ عَنْهُ قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : نَزَلَتْ فِي
الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . وَقِيلَ فِي
أَبِي جَهْلٍ .
الضَّحَّاكُ : فِي
عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : نَزَلَتْ فِي
أَبِي سُفْيَانَ ، وَكَانَ يَنْحَرُ فِي
[ ص: 188 ] كُلَّ أُسْبُوعٍ جَزُورًا ، فَطَلَبَ مِنْهُ يَتِيمٌ شَيْئًا ، فَقَرَعَهُ بِعَصَاهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ .
يَدُعُّ أَيْ يَدْفَعُ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=13يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أَيْ يَدْفَعُهُ عَنْ حَقِّهِ .
قَتَادَةُ : يَقْهَرُهُ وَيَظْلِمُهُ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ ( النِّسَاءِ ) أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الصِّغَارَ ، وَيَقُولُونَ : إِنَّمَا يَحُوزُ الْمَالَ مَنْ يَطْعَنُ بِالسِّنَانِ ، وَيَضْرِبُ بِالْحُسَامِ . وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832688مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ لَا يَأْمُرُ بِهِ ، مِنْ أَجْلِ بُخْلِهِ وَتَكْذِيبِهِ بِالْجَزَاءِ . وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَاقَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَلَيْسَ الذَّمُّ عَامًّا حَتَّى يَتَنَاوَلَ مَنْ تَرَكَهُ عَجْزًا ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَبْخَلُونَ وَيَعْتَذِرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَيَقُولُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=47أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ ، وَتَوَجَّهَ الذَّمُّ إِلَيْهِمْ . فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ : لَا يَفْعَلُونَهُ إِنْ قَدَرُوا ، وَلَا يَحُثُّونَ عَلَيْهِ إِنْ عَسِرُوا .
الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29078قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ أَيْ عَذَابٌ لَهُمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ فَرَوَى
الضَّحَّاكُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ هُوَ الْمُصَلِّيَ الَّذِي إِنْ صَلَّى لَمْ يَرْجُ لَهَا ثَوَابًا ، وَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ يَخْشَ عَلَيْهَا عِقَابًا . وَعَنْهُ أَيْضًا : الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ أَوْقَاتِهَا . وَكَذَا رَوَى
الْمُغِيرَةُ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : سَاهُونَ بِإِضَاعَةِ الْوَقْتِ . وَعَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ : لَا يُصَلُّونَهَا لِمَوَاقِيتِهَا ، وَلَا يُتِمُّونَ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا .
قُلْتُ : وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=59فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ حَسْبُ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ ( مَرْيَمَ ) عَلَيْهَا السَّلَامُ . وَرُوِيَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ أَيْضًا : أَنَّهُ الَّذِي إِذَا سَجَدَ قَامَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا مُلْتَفِتًا . وَقَالَ
قُطْرُبٌ : هُوَ أَلَّا يَقْرَأَ وَلَا يَذْكُرَ اللَّهَ . وَفِي قِرَاءَةِ
عَبْدِ اللَّهِ ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ لَاهُونَ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=832689فِي قَوْلِهِ : nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ - قَالَ - : ( الَّذِينَ nindex.php?page=treesubj&link=23392_1417يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا ، تَهَاوُنًا بِهَا ) . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا : هُمُ الْمُنَافِقُونَ يَتْرُكُونَ الصَّلَاةَ سِرًّا ، يُصَلُّونَهَا عَلَانِيَةً
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى الْآيَةَ . وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي الْمُنَافِقِينَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ، وَقَالَ
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
مَالِكٍ . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : وَلَوْ قَالَ فِي صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ لَكَانَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ
عَطَاءٌ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ عَنْ صَلَاتِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ فِي صَلَاتِهِمْ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ
[ ص: 189 ] قُلْتُ : أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ قَوْلِهِ : عَنْ صَلَاتِهِمْ ، وَبَيْنَ قَوْلِكَ : فِي صَلَاتِهِمْ ؟ قُلْتُ : مَعْنَى عَنْ أَنَّهُمْ سَاهُونَ عَنْهَا سَهْوَ تَرْكٍ لَهَا ، وَقِلَّةِ الْتِفَاتٍ إِلَيْهَا ، وَذَلِكَ فِعْلُ الْمُنَافِقِينَ ، أَوِ الْفَسَقَةِ الشُّطَّارِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَمَعْنَى فِي أَنَّ السَّهْوَ يَعْتَرِيهِمْ فِيهَا ، بِوَسْوَسَةِ شَيْطَانٍ ، أَوْ حَدِيثِ نَفْسٍ ، وَذَلِكَ لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْهُ مُسْلِمٌ . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقَعُ لَهُ السَّهْوُ فِي صَلَاتِهِ ، فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ ; وَمِنْ ثَمَّ أَثْبَتَ الْفُقَهَاءُ بَابَ سُجُودِ السَّهْوِ فِي كُتُبِهِمْ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنَ السَّهْوِ مُحَالٌ ، وَقَدْ سَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاتِهِ وَالصَّحَابَةُ : وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْهُو فِي صَلَاتِهِ ، فَذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَتَدَبَّرُهَا ، وَلَا يَعْقِلُ قِرَاءَتَهَا ، وَإِنَّمَا هَمُّهُ فِي أَعْدَادِهَا ; وَهَذَا رَجُلٌ يَأْكُلُ الْقُشُورَ ، وَيَرْمِي اللُّبَّ . وَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْهُو فِي صَلَاتِهِ إِلَّا لِفِكْرَتِهِ فِي أَعْظَمِ مِنْهَا ; اللَّهُمَّ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَسْهُو فِي صَلَاتِهِ مَنْ يُقْبِلُ عَلَى وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ إِذَا قَالَ لَهُ : اذْكُرْ كَذَا ، اذْكُرْ كَذَا ; لَمَّا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ ، حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى .
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ أَيْ يُرِي النَّاسَ أَنَّهُ يُصَلِّي طَاعَةً وَهُوَ يُصَلِّي تَقْيَةً ; كَالْفَاسِقِ ، يُرِي أَنَّهُ يُصَلِّي عِبَادَةً وَهُوَ يُصَلِّي لِيُقَالَ : إِنَّهُ يُصَلِّي .
nindex.php?page=treesubj&link=18691وَحَقِيقَةُ الرِّيَاءِ طَلَبُ مَا فِي الدُّنْيَا بِالْعِبَادَةِ ، وَأَصْلُهُ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِ النَّاسِ . وَأَوَّلُهَا تَحْسِينُ السَّمْتِ ; وَهُوَ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الْجَاهَ وَالثَّنَاءَ . وَثَانِيهَا : الرِّيَاءُ بِالثِّيَابِ الْقِصَارِ وَالْخَشِنَةِ ; لِيَأْخُذَ بِذَلِكَ هَيْئَةَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا . وَثَالِثُهَا : الرِّيَاءُ بِالْقَوْلِ ، بِإِظْهَارِ التَّسَخُّطِ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا ; وَإِظْهَارِ الْوَعْظِ وَالتَّأَسُّفِ عَلَى مَا يَفُوتُ مِنَ الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ . وَرَابِعُهَا : الرِّيَاءُ بِإِظْهَارِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ ، أَوْ بِتَحْسِينِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ رُؤْيَةِ النَّاسِ ; وَذَلِكَ يَطُولُ ، وَهَذَا دَلِيلُهُ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ .
قُلْتُ : قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَهُودٍ وَآخِرِ الْكَهْفِ الْقَوْلُ فِي الرِّيَاءِ وَأَحْكَامِهِ وَحَقِيقَتِهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=18713_18697وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُرَائِيًا بِإِظْهَارِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ إِنْ كَانَ فَرِيضَةً ; فَمِنْ حَقِّ الْفَرَائِضِ الْإِعْلَانُ بِهَا وَتَشْهِيرُهَا ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832690وَلَا غُمَّةَ فِي فَرَائِضِ اللَّهِ لِأَنَّهَا أَعْلَامُ الْإِسْلَامِ ، وَشَعَائِرُ الدِّينِ ، وَلِأَنَّ تَارِكَهَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ وَالْمَقْتَ ; فَوَجَبَ إِمَاطَةُ التُّهْمَةِ بِالْإِظْهَارِ ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَحَقُّهُ أَنْ يَخْفَى ; لِأَنَّهُ لَا يُلَامُ بِتَرْكِهِ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ ، فَإِنْ أَظْهَرَهُ قَاصِدًا لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ كَانَ جَمِيلًا . وَإِنَّمَا الرِّيَاءُ أَنْ يَقْصِدَ بِالْإِظْهَارِ أَنْ تَرَاهُ الْأَعْيُنُ ، فَتُثْنِيَ عَلَيْهِ بِالصَّلَاحِ . وَعَنْ بَعْضِهِمْ
[ ص: 190 ] أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا فِي الْمَسْجِدِ قَدْ سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ فَأَطَالَهَا ; فَقَالَ : مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتِكَ . وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ تَوَسَّمَ فِيهِ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ ( الْبَقَرَةِ ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ ، وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ .
السَّادِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29078قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=7وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ قَوْلًا :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ زَكَاةُ أَمْوَالِهِمْ . كَذَا رَوَى
الضَّحَّاكُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ . وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ ، وَقَالَهُ
مَالِكٌ . وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُنَافِقُ يَمْنَعُهَا . وَقَدْ رَوَى
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ
مَالِكٍ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ قَالَ : إِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا صَلَّى صَلَّى رِيَاءً ، وَإِنْ فَاتَتْهُ لَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهَا ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ الزَّكَاةَ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : لَوْ خَفِيَتْ لَهُمُ الصَّلَاةُ كَمَا خَفِيَتْ لَهُمُ الزَّكَاةُ مَا صَلُّوا .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمَاعُونَ الْمَالُ ، بِلِسَانِ
قُرَيْشٍ ; قَالَهُ
ابْنُ شِهَابٍ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ .
وَقَوْلٌ ثَالِثٌ : أَنَّهُ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَنَافِعِ الْبَيْتِ كَالْفَأْسِ وَالْقِدْرِ وَالنَّارِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ; قَالَهُ
ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا . قَالَ
الْأَعْشَى :
بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَاعُونِهِ إِذَا مَا سَمَاؤُهُمْ لَمْ تَغِمْ
الرَّابِعُ : ذَكَرَ
الزَّجَّاجُ وَأَبُو عُبَيْدٍ nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدُ أَنَّ الْمَاعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُلُّ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ ، حَتَّى الْفَأْسِ وَالْقِدْرِ وَالدَّلْوِ وَالْقَدَّاحَةِ ، وَكُلِّ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ ; وَأَنْشَدُوا بَيْتَ
الْأَعْشَى . قَالُوا : وَالْمَاعُونُ فِي الْإِسْلَامِ : الطَّاعَةُ وَالزَّكَاةُ ; وَأَنْشَدُوا قَوْلَ الرَّاعِي :
أَخَلِيفَةُ الرَّحْمَنِ إِنَّا مَعْشَرٌ حُنَفَاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وَأَصِيلَا
عَرَبٌ نَرَى لِلَّهِ مِنْ أَمْوَالِنَا حَقُّ الزَّكَاةِ مُنَزَّلًا تَنْزِيلَا
قَوْمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ لَمَّا يَمْنَعُوا مَاعُونَهُمْ وَيُضَيِّعُوا التَّهْلِيلَا
يَعْنِي الزَّكَاةَ .
الْخَامِسُ : أَنَّهُ الْعَارِيَّةُ ; وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا .
السَّادِسُ : أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ الَّذِي يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ ; قَالَهُ
مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالْكَلْبِيُّ .
السَّابِعُ : أَنَّهُ الْمَاءُ وَالْكَلَأُ .
الثَّامِنُ : الْمَاءُ وَحْدَهُ . قَالَ
الْفَرَّاءُ : سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ : الْمَاعُونَ : الْمَاءُ ; وَأَنْشَدَنِي فِيهِ :
يَمَجُّ صَبِيرُهُ الْمَاعُونَ صَبًّا
الصَّبِيرُ : السَّحَابُ .
التَّاسِعُ : أَنَّهُ مَنْعُ الْحَقِّ ; قَالَهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ .
الْعَاشِرُ : أَنَّهُ الْمُسْتَغَلُّ مِنْ مَنَافِعِ الْأَمْوَالِ ; مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَعْنِ وَهُوَ الْقَلِيلُ ; حَكَاهُ
الطَّبَرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ . قَالَ
[ ص: 191 ] قُطْرُبٌ : أَصْلُ الْمَاعُونَ مِنَ الْقِلَّةِ . وَالْمَعْنُ : الشَّيْءُ الْقَلِيلُ ; تَقُولُ الْعَرَبُ : ( مَا لَهُ سَعْنَةٌ وَلَا مَعْنَةٌ ) ; أَيْ شَيْءٍ قَلِيلٍ . فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الزَّكَاةَ وَالصَّدَقَةَ وَنَحْوَهُمَا مِنَ الْمَعْرُوفِ مَاعُونًا ; لِأَنَّهُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ : الْمَاعُونُ : أَصْلُهُ مَعُونَةٌ ، وَالْأَلِفُ عِوَضٌ مِنَ الْهَاءِ ; حَكَاهُ
الْجَوْهَرِيُّ .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : الْمَاعُونَ : مَفْعُولٌ مِنْ أَعَانَ يُعِينُ ، وَالْعَوْنُ : هُوَ الْإِمْدَادُ بِالْقُوَّةِ وَالْآلَاتِ وَالْأَسْبَابِ الْمُيَسِّرَةِ لِلْأَمْرِ .
الْحَادِي عَشَرَ : أَنَّهُ الطَّاعَةُ وَالِانْقِيَادُ . حَكَى
الْأَخْفَشُ عَنْ أَعْرَابِيٍّ فَصِيحٍ : لَوْ قَدْ نَزَلْنَا لَصَنَعْتُ بِنَاقَتِكَ صَنِيعًا تُعْطِيكَ الْمَاعُونَ ; أَيْ تَنْقَادُ لَكَ وَتُعْطِيكَ . قَالَ الرَّاجِزُ :
مَتَى تُصَادِفْهُنَّ فِي الْبَرِينِ يَخْضَعْنَ أَوْ يُعْطِينَ بِالْمَاعُونِ
وَقِيلَ : هُوَ مَا لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ ، كَالْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالنَّارِ ; لِأَنَّ
عَائِشَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832691قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ ؟ قَالَ : الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْمِلْحُ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْمَاءُ ، فَمَا بَالُ النَّارِ وَالْمِلْحِ ؟ فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ مَنْ أَعْطَى نَارًا فَكَأَنَّمَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا طُبِخَ بِتِلْكَ النَّارِ ، وَمَنْ أَعْطَى مِلْحًا فَكَأَنَّمَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا طَيَّبَ بِهِ ذَلِكَ الْمِلْحُ ، وَمَنْ سَقَى شَرْبَةً مِنَ الْمَاءِ حَيْثُ يُوجَدُ الْمَاءُ ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ سِتِّينَ نَسَمَةً . وَمَنْ سَقَى شَرْبَةً مِنَ الْمَاءِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ ، فَكَأَنَّمَا أَحْيَا نَفْسًا ، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا . ذَكَرَهُ
الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَخَرَّجَهُ
ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ . وَفِي إِسْنَادِهِ لِينٌ ; وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي عَشَرَ .
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ : وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ الْمَعُونَةُ بِمَا خَفَّ فِعْلُهُ وَقَدْ ثَقَّلَهُ اللَّهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقِيلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16584لِعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ : مَنْ مَنَعَ شَيْئًا مِنَ الْمَتَاعِ كَانَ لَهُ الْوَيْلُ ؟ فَقَالَ : لَا ، وَلَكِنْ مَنْ جَمَعَ ثَلَاثُهُنَّ فَلَهُ الْوَيْلُ ; يَعْنِي : تَرْكُ الصَّلَاةِ ، وَالرِّيَاءِ ، وَالْبُخْلِ بِالْمَاعُونِ .
قُلْتُ : كَوْنُهَا فِي الْمُنَافِقِينَ أَشْبَهُ ، وَبِهِمْ أَخْلَقُ ; لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ :
nindex.php?page=treesubj&link=18692_23390_18897تَرْكُ الصَّلَاةِ ، وَالرِّيَاءِ ، وَالْبُخْلِ بِالْمَالِ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=54وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ . وَهَذِهِ أَحْوَالُهُمْ وَيَبْعُدُ أَنْ تُوجَدَ مِنْ مُسْلِمٍ مُحَقِّقٍ ، وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُهَا فَيَلْحَقُهُ جُزْءٌ مِنَ التَّوْبِيخِ ، وَذَلِكَ فِي مَنْعِ الْمَاعُونِ إِذَا تَعَيَّنَ ; كَالصَّلَاةِ إِذَا تَرَكَهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . إِنَّمَا يَكُونُ مَنْعًا قَبِيحًا فِي الْمُرُوءَةِ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .