الحادية عشر : واختلف الفقهاء في حكم الساحر المسلم والذمي  ، فذهب مالك  إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كفرا  يقتل ولا يستتاب ولا تقبل توبته ; لأنه أمر يستسر به كالزنديق والزاني ; ولأن الله تعالى سمى السحر كفرا بقوله : وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر وهو قول  أحمد بن حنبل   وأبي ثور  وإسحاق   والشافعي   وأبي حنيفة    . وروي قتل الساحر عن عمر  وعثمان   وابن عمر   وحفصة  وأبي موسى   وقيس بن سعد  وعن سبعة من التابعين . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : حد الساحر  ضربه بالسيف خرجه الترمذي  وليس   [ ص: 47 ] بالقوي ، انفرد به إسماعيل بن مسلم  وهو ضعيف عندهم ، رواه ابن عيينة  عن إسماعيل بن مسلم  عن الحسن  مرسلا ، ومنهم من جعله عن جندب  قال ابن المنذر    : وقد روينا عن عائشة  أنها باعت ساحرة كانت سحرتها وجعلت ثمنها في الرقاب . قال ابن المنذر    : وإذا أقر الرجل أنه سحر بكلام يكون كفرا وجب قتله إن لم يتب ، وكذلك لو ثبتت به عليه بينة ووصفت البينة كلاما يكون كفرا . وإن كان الكلام الذي ذكر أنه سحر به ليس بكفر لم يجز قتله ، فإن كان أحدث في المسحور جناية توجب القصاص اقتص منه إن كان عمد ذلك ، وإن كان مما لا قصاص فيه ففيه دية ذلك . قال ابن المنذر    : وإذا اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسألة وجب اتباع أشبههم بالكتاب والسنة ، وقد يجوز أن يكون السحر الذي أمر من أمر منهم بقتل الساحر سحرا يكون كفرا فيكون ذلك موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن تكون عائشة  رضي الله عنها أمرت ببيع ساحرة لم يكن سحرها كفرا . فإن احتج محتج بحديث جندب  عن النبي صلى الله عليه وسلم : حد الساحر ضربه بالسيف فلو صح لاحتمل أن يكون أمر بقتل الساحر الذي يكون سحره كفرا ، فيكون ذلك موافقا للأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث   . . . 
قلت : وهذا صحيح ، ودماء المسلمين محظورة لا تستباح إلا بيقين ولا يقين مع الاختلاف . والله تعالى أعلم . وقال بعض العلماء : إن قال أهل الصناعة إن السحر لا يتم إلا مع الكفر والاستكبار ، أو تعظيم الشيطان فالسحر إذا دال على الكفر على هذا التقدير ، والله تعالى أعلم . وروي عن  الشافعي    : لا يقتل الساحر إلا أن يقتل بسحره ويقول تعمدت القتل ، وإن قال لم أتعمده لم يقتل ، وكانت فيه الدية كقتل الخطأ ، وإن أضر به أدب على قدر الضرر . قال  ابن العربي    : وهذا باطل من وجهين ، أحدهما : إنه لم يعلم السحر ، وحقيقته أنه كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى ، وتنسب إليه المقادير والكائنات . الثاني : إن الله سبحانه قد صرح في كتابه بأنه كفر فقال : وما كفر سليمان  بقول السحر ولكن الشياطين كفروا به وبتعليمه ، وهاروت  وماروت  يقولان : إنما نحن فتنة فلا تكفر وهذا تأكيد للبيان . 
 [ ص: 48 ] احتج أصحاب مالك  بأنه لا تقبل توبته ; لأن السحر باطن لا يظهره صاحبه فلا تعرف توبته كالزنديق ، وإنما يستتاب من أظهر الكفر مرتدا ، قال مالك    : فإن جاء الساحر أو الزنديق تائبا قبل أن يشهد عليهما قبلت توبتهما ، والحجة لذلك قوله تعالى : فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا  فدل على أنه كان ينفعهم إيمانهم قبل نزول العذاب ، فكذلك هذان . 
				
						
						
